فعُلمَ أنَّ قصدَهم بذلكَ التوجُّهِ إلى جهةِ المدعوِّ المسؤولِ الذي يسألونهُ ويدعونهُ، حتى لو قُدِّرَ أنَّ أحدهم يدعو صنمًا أو غيرهُ ممَّا يكونُ على الأرضِ لكانَ توجُّهُ قلبهِ ووجههِ وبدنهِ إلى جهةِ معبودهِ الذي يسألهُ ويدعوهُ، كما يفعلهُ النَّصارى في كنائسهم فإنَّهم يوجِّهونَ قلوبهم وأبصارهم وأيديهم إلى الصُّوَرِ المصوَّرةِ في الحيطانِ وإنْ كانَ قصدهم صاحبَ الصُّورةِ، وكذلكَ مَنْ قصدَ الموتى في قبورهم، فإنَّه يوجِّهُ قصدَهُ وعينَهُ إلى منْ في القبرِ، فإذا قَدَّرَ أنَّ القبرَ أسفلُ منهُ توجَّهَ إلى أسفلَ، وكذلكَ عابدُ الصَّنمِ إذا كان فوقَ المكانِ الذي فيهِ الصنمُ، فإنَّهُ يُوَجِّهُ قَلْبَهُ وطَرْفَهُ إلى أسفلَ، لكونِ معبودهِ هناكَ.
فعُلمَ بذلكَ أنَّ الخلقَ متَّفقونَ على أنَّ توجيهَ القلبِ والعينِ واليدِ عندَ الدُّعاءِ إلى جهةِ المدعوِّ، فلما كانوا يُوَجِّهون ذلكَ إلى جهةِ السَّماءِ عندَ الله، عُلم إطباقُهم على أنَّ اللهَ في جِهَةِ السَّمَاءِ.
الوجهُ الثالث:
أنَّ الواحدَ منهم إذا اجتهدَ في الدُّعاءِ حالَ سجودِهِ يجدُ قلبَهُ يَقْصِدُ العُلُوَّ، مع أنَّ وجههُ يلي الأرضَ، بل كلَّما ازدادَ وجههُ ذُلًّا وتواضعًا، ازدادَ قلبهُ قصدًا للعلوِّ، كمَا قالَ تعالى: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [العلق: 19].
وقالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَقْرَبُ ما يَكُونُ العَبْدُ من رَبِّهِ وهو سَاجِدٌ» (?).