وكذلك اللمس إنما المحرَّم منه قصد مسِّ بَشَرتِه بشرةَ المحرَّم، فلو وقعت بَشَرتُه على بَشَرةِ المحرَّم من غير قصد لزحمةٍ أو غيرها لم يكن ذلك حرامًا.
ولكن هل سمعتم معاشرَ أصحاب الغناء أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو أحدًا من أصحابه استحضر مغنيًا أو مغنية، وجلس إليها قصدًا، أو كان جالسًا ناحيةً أو مارًّا في طريق، فسمع صوتَ جويرياتٍ أو زمَّارةٍ، ولم يقصد استماعه؟ فطفرتم القنطرةَ، وجعلتم هذا حجةً في استحضار القينات والمغنين والرقاصين والشبابات والمواصيل، وجعلتم لهم الأجرة والحِبَاء والكرامة والخِلَع، ومزَّقتم عليهم القلوب قبل الثياب، وجُدْتُم لهم بما بخلتم على الأرملة والمسكين واليتيم بالحبة منه، وزعمتم أنَّ ذلك قربة وطاعة، وصدقتم هو قربةٌ إلى الجحيم وطاعة للشيطان الرجيم، ثمّ جلستم منه منصتين، وقمتم له على الأقدام متواضعين معظمين.
والمصيبة العظمى والداهية الكبرى نسبتكم ذلك إلى شريعة خاتم الرسل، التي هي أكمل شريعة طرقت العالم إباحة واستحبابًا، ومعاذ الله وحاشا شريعتَه من نسبة ذلك إليها، وليس العجب من جاهلٍ قلبُه في غِطاءٍ عن العلم لا يفرق بين ما فعله الرسول وما يفعله هؤلاء، ولكن العجب ممن نَصبَ نفسه للعلم والتأليف، ويَعُدُّ نفسَه من الأئمة الهداة المرشدين، لا يفرق بين هذا وهذا، ويحتجُّ على جواز الاستماع