والثاني: أن يكون من الصوت المشتمل على الحروف المنظومة التي لها معنى يُفهَم، فيُنزلها السامع على ما يليق بحاله دون ما قصده به القائل، مثل أن يكون في الشعر عتاب وتوبيخ، أو أمرٌ بالصبر على المكروه، أو ذمٌّ على التقصير في القيام بحقوق المحبة، أو تحزينٌ على ما فرَّط فيه مفرِّطٌ من الحقوق، أو غضبٌ وحميَّةٌ على جهاد العدو أو مقاتلته، أو أمرٌ ببذل النفس والمال في نيل المطلوب ورضا المحبوب، أو غير ذلك من المعاني المجملة المشتركة.
وربما قرعَ السمعَ حروفٌ أخرى لم ينطق بها المتكلم، ولكن هي على وزن حروفه التي نطق بها، كما نقل عن بعضهم أنه سمع قائلًا يقول: "سَعْتَر بَرِّي" فحصل له وجدٌ، فقيل له: ماسمعتَ؟ فقال: سمعتُ اسْعَ تَرى بِرِّي (?).
وكل واحد إنما يسمع من حيث هو، كما يُحكى أن عتبة الغلام سمع قائلًا يقول: سبحانَ ربِّ السماء، إن المحبَّ لفي عَناءِ. فقال عتبة: صدقتَ. وسمع رجل آخر ذلك القول، فقال: كذبت (?). فكل منهما سمع على ما شاكل حاله.
وهذه هي التي يُسمِّيها القوم إشاراتٍ ومخاطباتٍ، [والمخاطبات] من جنس دلالات الألفاظ، والإشارات من جنس دلالات القياس، وهذه يستعملها القوم كثيرًا فيما يرونه ويسمعونه، وبعضهم يغلو فيها