القلوبَ به معرفة وإيمانًا، وملأها حكمة وإيقانًا، {صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ} [البقرة: 138]، لا كصبغة السماع التي تملأ القلوب هوى وشهوة وظلمة وشركًا، وتُعوِرُ بصيرةَ القلب وتَطْمِسُ نوره وتُنكِّسه وتُخنِّث عزمَه. فقلَّ أن ترى سماعيًّا إلا وهو مخنَّث العزيمة، يلوحُ التخنيثُ على شمائله وحركاته.
وقد سمى النبي - صلى الله عليه وسلم - صوت الغناء صوتًا فاجرًا أحمق (?)، فوصفه بالفجور والحمق، فالفجور: الظلم، والحمق: الجهل. وقال لقمان لابنه: {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ} [لقمان: 19]، والمغني والرقاص أبعد الناس من هذا، فلا هذا غضَّ من صوته، ولا هذا قصدَ في مشيه.
فصل
* قال صاحب الغناء (?): نحن نتحاكم في هذه المسألة إلى سيد الطائفة الجنيد، قال أبو عمر (?) الأنماطي: سمعته يقول وقد سُئل: ما بالُ الإنسان يكون هادئًا فإذا سمع السماع اضطرب؟ فقال: إنَّ الله لما خاطب الأرواح في الميثاق الأول بقوله: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} [الأعراف: 172]، استفرغتْ عذوبةَ سماع [الكلام] الأرواحُ، فإذا سمعوا السماع حرَّكهم ذِكرُ ذلك.