فصل: أصل غلط أهل السماع أنهم يجعلون الخاص عاما والمقيد مطلقا

الالتذاذ باللذة المأمور بها، كما يُثابون على لذاتها بالأكل والشرب واللباس والنصر والظفر المعينة لهم على طاعته، وكما يُثابون على لذات قلوبهم بالعلم والإيمان، وحلاوته وطيبه ونعيمه، فإنها أعظم اللذات، وحلاوته أصدق الحلاوات، ونفس التذاذه وإن كان متولدًا عن سعيه، وهو في نفسه ثواب سعيه، فهو مُثابٌ عليه أيضا، فإن المؤمن يثاب على عمله وعلى ما يتولد من عمله وعلى ما يلتذ به من ذلك بما هو أعظم لذةً منه، فلا يزال متقلِّبًا في نِعَم ربه وفضله، وهي في نُموٍّ وتولُّدٍ، يُولِد له بعضُها بعضًا كالتجارة والزراعة، فأما أن يُستدل بمجرد التذاذ الإنسان للصوت، أو ميل الطفل إليه، أو استراحة البهائم به، على جوازه واستحبابه في الدين، وأنه قربة إلى رب العالمين، فهذا من الضلال المبين. وإذا كانت الأطفال والبهائم تَستروح بالأكل والشرب، فهل يدل ذلك على حِلِّ كل مأكول ومشروب؟

فصل

وأصل غلط هذه الطائفة أنهم يجعلون الخاصَّ عامًّا والمقيد مطلقًا، فيجيئون إلى ألفاظ في كلام الله ورسوله قد أباحتْ أو حَمِدتْ نوعًا من السماع فيُدرِجون فيها سماعَ المكاء والتصدية، ويجيئون إلى المعاني التي دلَّت على الإباحة أو الاستحباب في نوع من الأصوات والسماع، فيجعلونها دالةً على نوع يُضادُّها. وهذا جمعٌ بين ما فرَّق الله ورسوله بينه، بمنزلة من قاس الربا على البيع، والسفاح على النكاح، ونظائر ذلك من الأقيسة الباطلة التي عُبِدَتْ بنظائرها الشمسُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015