ولاسيما النفوسُ التي فيها رقةٌ ولطافة ورياضة، فإن الصوت والصورة أسرعُ تأثيرًا فيها من النار في يابس الحطَب، حتى إنها لتتقوَّتُ بذلك أحيانًا. وبهذا رضيَ الشيطانُ من هذه الطائفة، فإنه (?) لم يُبالِ بعدَ أن أوقعهم فيما يُفسِد قلوبهَم وأسماعَهم وأبصارهم، أن لا يَشْغَلَهم بجمع الأموال وطلب الجاه والولايات، فإن فتنة أحدهم بذلك أعظمُ من فتنته بهذه الأمور، فإن جنس هذه الأمور مباح، وقد يُستعان بها على طاعة الله، وأمّا ما شَغَلَ به هؤلاءِ نفوسَهم، فإنه دينٌ فاسد منهيٌّ عنه، مضرته راجحة على منفعته.
ولو لم يكن في هذا السماع من المفسدة إلا تشبُّه الرجال بالنساء، فإن الغناء في الأصل إنما جُعِل للنساء، ولذلك ما شُرِع منه في الأعراس والأعياد إنما شرع للنساء والجواري والصغار والولدان الحديثي الأسنان، فإذا تشبَّه بهم الرجل كان مخنَّثًا، وقد لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المخنثين من الرجال (?). وكذلك من يحضرون في السماع من الشاهد فيهم من التخنيث بقدر ما تشبَّهوا به من أمر النساء، وعليهم من اللعنة بقدر نصيبهم من ذلك التشبه. وقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بإخراج المخنثين ونَفْيهم، وقال: "أخرِجُوهم من بيوتكم" (?)، فكيف بمَن يُقرِّبهم ويُعظِّمهم ويتعبد قلبه بهم، ويجعلهم طواغيتَ يُعظَّمون بالباطل الذي