بين بعض وبعض؟ هذا مما تنازع فيه أصحابه، وهذا قوله في سماع العامة. وأمَّا سماع الخاصة الذين تشيرون إليه فهو عند الشافعي من فعل الزنادقة، كما تقدم حكاية كلامه. فعند الشافعي أن هذا السماع الذي للخاصة أعظم من أن يقال فيه: إنه مكروه أو محرم، بل هو عنده مضادٌّ للإيمان، وشرعُ دينٍ لم يأذن به الله ولم يُنزل به من سلطان، وإن كان من المشايخ والصالحين من تأول في فعله، وبتأويله واجتهاده يغفر الله له خطأه، ويُثِيبه على ما مع التأويل من قصد خالص وإن لم يكن العمل صوابًا. والتأويل والاجتهاد من باب المعارض في حق بعض الناس، يُدفَع به عنه العقوبة كما يُدفَع بالتوبة والحسنات الماحية، وهذا إنما هو لمن استفرغ وُسعَه في طلب الحق ما استطاع.
وقول الشافعي - رضي الله عنه - في هؤلاء نظير قوله في أهل الكلام: "حكمي في أهل الكلام أن يُضرَبوا بالجريد والنعال، ويُطاف بهم في العشائر والقبائل، ويقال: هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة، وأقبل على الكلام" (?). وقوله: "لأن يبتلى العبدُ بكل ذنب ما خلا الشرك بالله خير له من أن يُبتلى بالكلام في هذه الأهواء" (?).
فهذا مذهبه في المتكلمين، وتلك شهادته في أهل السماع، وهذا من كمال نصيحته - رضي الله عنه -، لما علم من دخول الفساد على الأمة