وبعض هؤلاء سمع إقامة الصلاة وهو في السماع، فقال: كنا في الحضرة فصِرْنا على الباب. فقال له صاحب القرآن: صدقتَ والله! كُنْتَ في حضرة الشيطان فدُعِيْتَ إلى باب الرحمن.
فليتدبر اللبيب الناصح لنفسه ما الذي جرَّه السماعُ على هذه الطائفة، حتى يقول قائلُهم (?): إنه قد يكون أنفعَ للقلب من قراءةِ القرآن من ستة أوجه أو سبعة! فيا أهلًا وسهلًا بسماع الفساق وأهل الشهوات بالنسبة إلى سماع هؤلاء المقربين أرباب الحضرة! فإن أولئك لا يقعون في شيء من هذه العظائم، وهم يعترفون بأنهم مذنبون مخطئون، وفي قلب مؤمنيهم من محبة ما يحبه الله ورسوله وكراهةِ ما يكرهه أضعافُ ما في قلوب كثير من هؤلاء، لأن محبة السماع أضعفتْ من قلوبهم محبةَ ما يحبه الله وكراهةَ ما يكرهه، ولهذا ليس للقرآن والصلاة والعلم في قلوبهم من المحبة والحلاوة والطيب ما في قلوب أهل كمال الإيمان، بل قد يكرهون بعضَ ذلك ويستثقلون. ولهم نصيب من حال الذين إذا ذُكِّروا باَيات ربهم خَرُّوا عليها صُمًّا وعميانًا، ونصيبٌ من حال الذين إذا قاموا إلى الصلاة قاموا كُسالى، وهم يجدون في نفوسهم استثقال سماع القرآن وقراءته، لمَّا اعتاضوا عنه بضدِّه وندِّه، وإن ارتاحوا إلى سماعه فللقدر المشترك الذي يكون بينه وبين سماعهم من الأصوات المطربة والألحان، ولهذا يرتاحون لذلك الشعر الكفري والفسقي والزنائي.