الفرق بين صلاة وصلاة باختلاف أحوال المصلين

لون آخر، فالفرق بين مَن كانت الصلاة لحوائجه قيدًا ولقلبه سجنًا ولنفسه عائقًا، وبين مَن كانت الصلاة لقلبه نعيمًا، ولعينه قرة، ولحوائجه راحة، ولنفسه بستانًا ولذة.

فالأول الصلاة سجنٌ لنفسه وتقييدٌ لها عن التورط في مساقط الهلكات، وقد ينالون بها التكفير والثواب، وينالهم من الرحمة بحسب عبوديتهم لله فيها، والقسم الآخر الصلاةُ بستان قلوبهم، وقرة عيونهم، ولذة نفوسهم، ورياض جوارحهم، فهم فيها يتقلَّبون في النعيم. فصلاةُ هؤلاء تُوجِب لهم القربَ والمنزلةَ من الله، ويُشاركون الأولين في ثوابهم، ويختصُّون بأعلاه ومزيد (?) المنزلة والقربة، وهي قدر زائد على مجرد الثواب، ولهذا يَعِدُ الملوك من أرضاهم بالأجر والتقريب، كما قال السحرة لفرعون: {أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (41) قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} [الشعراء: 41 - 42].

فالأول عبدٌ قد دخل الدارَ والسترُ حاجبٌ بينه وبين رب الدار، فهو من وراء الستر، فلذلك لم تَقَرَّ عينُه، لأنه (?) في حُجُب الشهوات، وغُيوم الهوى، ودخان النفس، وبخار الأماني، فالقلب عليل، والنفس مُكِبَّة على ما تهواه، طالبةٌ لحظِّها العاجل، والآخر قد دخل دارَ الملك، ورُفِع الستر بينه وبينه، فقرَّتْ عينُه واطمأنَّتْ نفسه، وخَشَع قلبُه وجوارحه، وعَبَدَ الله كأنه يراه، وتجلَّى له في كلامه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015