الإسلام من التسليم، فإنه لما أسلم نفسَه لحكم ربه الديني الأمري، ولحكمه الكوني القدري، بقيامه بعبوديته فيه لا باسترساله معه، استحقَّ اسمَ الإسلام، فقيل له مسلم. ولما اطمأنَّ قلبه بذكره وكلامه ومحبته وعبوديته، سكن إليه وقَرّتْ عينُه به، فنال الأمانَ بإيمانه.
= كان (?) قيامُه بهذين الأمرين أمرًا ضروريًا له، لا حياةَ له ولا فلاحَ ولا سعادةَ إلا بهما.
ولمّا كان ما بُلِيَ به من النفسِ الأمّارة والهوى المقتضِي والطباع المطالِبة والشيطان المُغوِي، يقتضي منه إضاعةَ حظِّه من ذلك أو نقصانَه، اقتضتْ رحمةُ العزيز الرحيم أن شرَعَ له الصلاة مُخلِفَة عليه ما ضاعَ منه، رادّةً عليه ما ذهب، مجدِّدة له ما أخلقَ من إيمانه، وجُعِلتْ صورتهُا على صورة أفعاله خشوعًا وخضوعًا وانقيادًا وتسليمًا، وأَعطَى كلَّ جارحة من الجوارح حظَّها من العبودية، وجعلَ ثمرتهَا وروحَها إقبالَه على ربه فيها بكليته، وجعل ثوابها وجزاءها القربَ منه ونيلَ كرامته في الدنيا والآخرة، وجعلَ منزلتَها ومحلَّها الدخولَ على الله تبارك وتعالى والتزينَ للعرض عليه، تذكيرًا بالعرضِ الأكبر عليه يومَ اللقاء.
وكما أن الصوم ثمرته تطهيرُ النفس، وثمرة الزكاة تطهير المال، وثمرة الحج وجوب المغفرة، وثمرة الجهاد تسليم النفس التي اشتراها سبحانه من العباد وجعلَ الجنة ثمنَها، فالصلاة ثمرتها الإقبال على الله، وإقبال الله سبحانه على العبد، وفي الإقبال جميع ما ذُكِرَ من