الْجَمَاعَةُ. وَالْأَخْبَارُ كُلُّهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ؛ فَضَرْبٌ مِنْهَا يُعْلَمُ صِحَّتُهُ , وَضَرْبٌ مِنْهَا يُعْلَمُ فَسَادُهُ , وَضَرْبٌ مِنْهَا لَا سَبِيلَ إِلَى الْعِلْمِ بِكَوْنِهِ عَلَى وَاحِدٍ مِنَ الْأَمْرَيْنِ دُونَ الْآخَرِ. أَمَّا الضَّرْبُ الْأَوَّلُ , وَهُوَ مَا يُعْلَمُ صِحَّتُهُ , فَالطَّرِيقُ إِلَى مَعْرِفَتِهِ إِنْ لَمْ يَتَوَاتَرْ حَتَّى يَقَعَ الْعِلْمُ الضَّرُورِيُّ بِهِ أَنْ يَكُونَ مِمَّا تَدُلُّ الْعُقُولُ عَلَى مُوجَبِهِ , كَالْإِخْبَارِ عَنْ حُدُوثِ الْأَجْسَامِ , وَإِثْبَاتِ الصَّانِعِ , وَصِحَّةِ الْأَعْلَامِ الَّتِي أَظْهَرَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى أَيْدِي الرُّسُلِ , وَنَظَائِرِ ذَلِكَ , مِمَّا أَدِلَّةُ الْعُقُولِ تَقْتَضِي صِحَّتَهُ , وَقَدْ يُسْتَدَلُّ أَيْضًا عَلَى صِحَّتِهِ بِأَنْ يَكُونَ خَبَرًا عَنْ أَمَرٍ اقْتَضَاهُ نَصُّ الْقُرْآنِ أَوِ السُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ , أَوِ اجْتَمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى تَصْدِيقِهِ , أَوْ تَلَقَّتْهُ الْكَافَّةُ بِالْقَبُولِ , وَعَمِلَتْ بِمُوجَبِهِ لِأَجْلِهِ. وَأَمَّا الضَّرْبُ الثَّانِي , وَهُوَ مَا يُعْلَمُ فَسَادُهُ فَالطَّرِيقُ إِلَى مَعْرِفَتِهِ أَنْ يَكُونَ مِمَّا تَدْفَعُ الْعُقُولُ صِحَّتَهُ بِمَوْضُوعِهَا , وَالْأَدِلَّةِ الْمَنْصُوصَةِ فِيهَا نَحْوَ الْإِخْبَارُ عَنْ قِدَمِ الْأَجْسَامِ وَنَفْيِ الصَّانِعِ , وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ , أَوْ يَكُونَ مِمَّا يَدْفَعُهُ نَصُّ الْقُرْآنِ , أَوِ السُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ , أَوْ أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى رَدِّهِ , أَوْ يَكُونَ خَبَرًا عَنْ أَمَرٍ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ يَلْزَمُ الْمُكَلَّفِينَ عِلْمُهُ وَقُطِعَ الْعُذْرُ فِيهِ , فَإِذَا وَرَدَ وُرُودًا لَا يُوجِبُ الْعِلْمَ مِنْ حَيْثُ الضَّرُورَةُ أَوِ الدَّلِيلُ عُلِمَ بُطْلَانُهُ , لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُلْزِمُ الْمُكَلَّفِينَ عِلْمًا بِأَمْرٍ لَا يُعْلَمُ إِلَّا بِخَبَرٍ يَنْقَطِعُ وَيَبْلُغُ فِي الضَّعْفِ إِلَى حَدٍّ لَا يُعْلَمُ صِحَّتُهُ اضْطِرَارًا وَلَا اسْتِدْلَالًا , وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ بَعْضَ الْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ بِالْعِبَادَاتِ الَّتِي يَجِبُ عِلْمُهَا يَبْلُغُ إِلَى هَذَا الْحَدِّ لَأَسْقَطَ فَرْضَ الْعِلْمِ بِهِ عِنْدَ انْقِطَاعِ الْخَبَرِ وَبُلُوغِهِ فِي الْوَهْيِ وَالضَّعْفِ إِلَى حَالٍ لَا يُمَكِّنُ الْعِلْمَ بِصِحَّتِهِ. أَوْ يَكُونَ خَبَرًا عَنْ أَمَرٍ جَسِيمٍ وَنَبَأٍ عَظِيمٍ , مِثْلَ خُرُوجِ أَهْلِ إِقْلِيمٍ بِأَسْرِهِمْ عَلَى الْإِمَامِ أَوْ حَصْرِ الْعَدُوِّ لِأَهْلِ الْمَوْسِمِ عَنِ الْبَيْتِ الْحَرَامِ فَلَا يُنْقَلُ نَقْلَ مِثْلِهِ بَلْ يَرِدُ وُرُودًا خَاصَّا لَا يُوجِبُ الْعِلْمَ , فَيَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى فَسَادِهِ , لِأَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بِتَظَاهُرِ الْأَخْبَارِ عَمَّا هَذِهِ سَبِيلُهُ. وَأَمَّا الضَّرْبُ الثَّالِثُ الَّذِي لَا يُعْلَمُ صِحَّتُهُ مِنْ فَسَادِهِ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْوَقْفُ عَنِ الْقَطْعِ بِكَوْنِهِ صِدْقًا أَوْ كَذِبًا , وَهَذَا الضَّرْبُ لَا يَدْخُلُ إِلَّا فِيمَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَيَجُوزُ أَلَّا يَكُونَ , مِثْلَ الْأَخْبَارِ الَّتِي يَنْقُلُهَا أَصْحَابُ الْحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَّ فِي أَحْكَامِ الشَّرْعِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا , وَإِنَّمَا وَجَبَ الْوَقْفُ فِيمَا هَذِهِ حَالُهُ مِنَ الْأَخْبَارِ لِعَدْمِ الطَّرِيقِ إِلَى الْعِلْمِ بِكَوْنِهَا صِدْقًا أَوْ كَذِبًا , فَلَمْ يَكُنِ الْقَضَاءُ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ فِيهَا أَوْلَى مِنَ الْآخَرِ إِلَّا أَنَّهُ يَجِبُ الْعَمَلُ بِمَا تَضَمَّنَتْ مِنَ الْأَحْكَامِ إِذَا وُجِدَ فِيهَا الشَّرَائِطُ الَّتِي نَذْكُرُهَا بَعْدُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى