أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، أنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِمْرَانَ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَامِدٍ , صَاحِبُ بَيْتِ الْمَالِ قَالَ: سَمِعْتُ عَبَّاسًا الدُّورِيَّ , يَقُولُ: " حَدَّثَنِي بَعْضُ , أَصْحَابِنَا قَالَ: قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَدِمْتُ مَكَّةَ فَمَكَثْتُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لَا يَجِيئُنِي أَصْحَابُ الْحَدِيثِ فَمَضَيْتُ فَطُفْتُ وَتَعَلَّقْتُ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ وَقُلْتُ يَا رَبِّ مَالِي أَكَذَّابٌ أَنَا؟ أَمُدَلِّسٌ أَنَا؟ قَالَ فَرَجَعْتُ إِلَى الْبَيْتِ فَجَاءُونِي " قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ: " وَالتَّدْلِيسُ عَلَى ضَرْبَيْنِ قَدْ أَفْرَدْنَا فِي ذِكْرِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِشَرْحِهِ وَبَيَانِهِ كِتَابًا إِلَّا أَنَّا نُورِدُ فِي هَذَا الْكِتَابِ شَيْئًا مِنْهُ إِذْ كَانَ مُقْتَضِيًا لَهُ. فَالضَّرْبُ الْأَوَّلُ: تَدْلِيسُ الْحَدِيثِ الَّذِي لَمْ يَسْمَعْهُ الرَّاوِي مِمَّنْ دَلَّسَهُ عَنْهُ بِرِوَايَتِهِ إِيَّاهُ عَلَى وَجْهٍ يُوهِمُ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْهُ وَيَعْدِلُ عَنِ الْبَيَانِ لِذَلِكَ وَلَوْ بَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنَ الشَّيْخِ الَّذِي دَلَّسَهُ عَنْهُ وَكَشَفَ ذَلِكَ لَصَارَ بِبَيَانِهِ مُرْسِلًا لِلْحَدِيثِ غَيْرَ مُدَلِّسٍ فِيهِ لِأَنَّ الْإِرْسَالَ لِلْحَدِيثِ لَيْسَ بِإِيهَامٍ مِنَ الْمُرْسِلِ كَوْنَهُ سَامِعًا مِمَّنْ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ وَمُلَاقِيًا لِمَنْ لَمْ يَلْقَهُ إِلَّا أَنَّ التَّدْلِيسَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مُتَضَمِّنٌ لِلْإِرْسَالِ لَا مَحَالَةَ مِنْ حَيْثُ كَانَ الْمُدَلِّسُ مُمْسِكًا عَنْ ذِكْرِ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ دَلَّسَ عَنْهُ وَإِنَّمَا يَفْرِقُ حَالُهُ حَالَ الْمُرْسِلِ بِإِيهَامِهِ السَّمَاعَ مِمَّنْ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ فَقَطْ وَهُوَ الْمُوهِنُ لَأَمْرِهِ فَوَجَبَ كَوْنُ هَذَا التَّدْلِيسِ مُتَضَمِّنًا لِلْإِرْسَالِ وَالْإِرْسَالُ لَا يَتَضَمَّنُ التَّدْلِيسَ لِأَنَّهُ لَا يَقْتَضِي إِيهَامَ السَّمَاعِ مِمَّنْ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ وَلِهَذَا الْمَعْنَى لَمْ يَذُمَّ الْعُلَمَاءُ مَنْ أَرْسَلَ الْحَدِيثَ وَذَمُّوا مَنْ دَلَّسَهُ وَالتَّدْلِيسُ يَشْتَمِلُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ تَقْتَضِي ذَمَّ الْمُدَلِّسِ وَتَوْهِينِهِ فَأَحَدُهَا مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ إِيهَامِهِ السَّمَاعَ مِمَّنْ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ وَذَلِكَ مُقَارِبُ لِلْإِخْبَارِ بِالسَّمَاعِ مِمَّنْ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ , وَالثَّانِيَةُ عُدُولُهُ عَنِ الْكَشْفِ إِلَى الِاحْتِمَالِ وَذَلِكَ بِخِلَافِ مُوجِبِ الْوَرَعِ وَالْأَمَانَةِ , وَالثَّالِثَةُ أَنَّ الْمُدَلِّسَ إِنَّمَا لَمْ يُبَيِّنْ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ رَوَى عَنْهُ لِعِلْمِهِ بِأَنَّهُ لَوْ ذَكَرَهُ لَمْ يَكُنْ مَرْضِيًّا مَقْبُولًا عِنْدَ أَهْلِ النَّقْلِ فَلِذَلِكَ عَدَلَ عَنْ ذِكْرِهِ , وَفِيهِ أَيْضًا أَنَّهُ إِنَّمَا لَا يَذْكُرُ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ دَلَّسَ عَنْهُ طَلَبًا لِتَوْهِيمِ عُلُوِّ الْإِسْنَادِ وَالْأَنَفَةِ مِنَ الرِّوَايَةِ عَمَّنْ حَدَّثَهُ وَذَلِكَ خِلَافَ مُوجِبِ الْعَدَالَةِ وَمُقْتَضَى الدِّيَانَةِ مِنَ التَّوَاضُعِ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ وَتَرْكِ الْحَمِيَّةِ فِي الْإِخْبَارِ بِأَخْذِ الْعِلْمِ عَمَّنْ أَخَذَهُ , وَالْمُرْسِلُ الْمُبَيِّنُ بَرِيءٌ مِنْ جَمِيعِ ذَلِكَ "