الكسب (صفحة 78)

قد بَين لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن طَعَامه وَإِن كَانَ لذيذا طيبا فِي الِابْتِدَاء فَإِنَّهُ يصير إِلَى الْخبث وَالنَّتن فِي الِانْتِهَاء فَهُوَ مثل الدُّنْيَا وَفِي هَذَا بَيَان أَن الِاكْتِفَاء بِمَا دون ذَلِك أفضل

وَفِي حَدِيث الْأَحْنَف بن قيس رَحمَه الله أَنه كَانَ عِنْد عمر رَضِي الله عَنهُ فَأتى بقصعة فِيهَا خبز شعير وزيت فَجعل عمر رَضِي الله عَنهُ يَأْكُل من ذَلِك وَيَدْعُو الْأَحْنَف إِلَى أكله وَكَانَ لَا يسيغه ذَلِك فَذكر الْأَحْنَف ذَلِك لحفصة وَقَالَ إِن الله تَعَالَى وسع على أَمِير الْمُؤمنِينَ فَلَو وسع على نَفسه وَجعل طَعَامه طيبا فَذكرت ذَلِك لعمر رَضِي الله عَنهُ فَبكى وَقَالَ أَرَأَيْت لَو أَن ثَلَاثَة إصطحبوا فَتقدم أحدهم فِي طَرِيق وَالثَّانِي بعده ثمَّ خالفهم الثَّالِث فِي الطَّرِيق أَكَانَ يدركهم فَقَالَت لَا قَالَ فقد تقدم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يصب من شهوات الدُّنْيَا شَيْئا وَأَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ بعده كَذَلِك فَلَو اشْتغل عمر بِقَضَاء الشَّهَوَات فِي الدُّنْيَا مَتى يدركهم فَفِي هَذَا بَيَان أَن الِاكْتِفَاء بِمَا دون ذَلِك أفضل

وَفِي الْحَاصِل الْمَسْأَلَة صَارَت على أَرْبَعَة أوجه فَفِي مِقْدَار مَا يسد بِهِ رمقه ويتقوى على الطَّاعَة هُوَ مثاب غير معاتب وَفِيمَا زَاد على ذَلِك إِلَى حد الشِّبَع هُوَ مُبَاح لَهُ محاسب على ذَلِك حسابا يَسِيرا بِالْعرضِ وَفِي قَضَاء الشَّهَوَات ونيل اللَّذَّات من الْحَلَال هُوَ مرخص لَهُ فِيهِ محاسب على ذَلِك مطَالب بشكر النِّعْمَة وَحقّ الجائعين وَفِي مَا زَاد على الشِّبَع هُوَ معاقب فَإِن الْأكل فَوق الشِّبَع حرَام وَقد بَينا هَذَا

وَفِي الْكتاب قَالَ أكرهه وَمرَاده التَّحْرِيم على مَا رُوِيَ أَن أَبَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015