على الْمَشْهُورين خَاصَّة وَقد نقل عَن الْحسن رَحمَه الله قَالَ أدْركْت سبعين بَدْرِيًّا كلهم قد انزووا وَلم يشتغلوا بتعليم النَّاس لِأَنَّهُ كَانَ لَا يحْتَاج إِلَيْهِم وَكَذَا عُلَمَاء التَّابِعين رَحِمهم الله فَمنهمْ من تصدى للْفَتْوَى والتعليم وَمِنْهُم من امْتنع من ذَلِك وانزوى بِعِلْمِهِ لِأَنَّهُ لَا يتَمَكَّن الْخلَل لامتناعه وَأَن الْمَقْصُود حَاصِل بِغَيْرِهِ وَهَذَا لِأَن للْعلم ثمرتان الْعلم بِهِ والتعليم فَمن النَّاس من يتَمَكَّن من تَحْصِيل الثمرتين لنَفسِهِ فَيجمع بَين الْعلم والتعليم وَمِنْهُم من لَا يتَمَكَّن مِنْهُمَا جَمِيعًا فيكتفي بثمرة الْعلم بِهِ فَعرفنَا أَن ذَلِك وَاسع وَأَن الْمَقْصُود بالمشهورين من أهل الْعلم حَاصِل وَلم لم يكن طلب الْعلم فَرِيضَة لم يكن للنَّاس مخرج من الاثم يَعْنِي أَن التَّحَرُّز عَن ارْتِكَاب المأثم فرض وَقَالَ الله تَعَالَى {إِنَّمَا حرم رَبِّي الْفَوَاحِش} الْآيَة وَلَا يتَوَصَّل إِلَى هَذَا التَّحَرُّز إِلَّا بِالْعلمِ
قَالَ وَلَو ترك النَّاس طلب الْعلم لما تميز الْحق من الْبَاطِل وَالصَّوَاب من الْخَطَأ وَالْبر من الْجفَاء يَعْنِي أَن التَّمْيِيز بَين الْحق وَالْبَاطِل أصل الدّين وَلَا يتَوَصَّل إِلَيْهِ إِلَّا بالعم قَالَ الله تَعَالَى {ويمح الله الْبَاطِل ويحق الْحق} وَقَالَ فِي آيَة أُخْرَى {ليحق الْحق وَيبْطل الْبَاطِل} وَلَا شكّ أَنه يفترض على كل مُخَاطب التَّمْيِيز بَين ماأحقه الله وَبَين مَا محاه الله من الْبَاطِل وَكَذَا على كل أحد التَّمَسُّك بِمَا هُوَ صَوَاب والتحرز عَن الْخَطَأ بِجهْدِهِ وَطَرِيق التَّوَصُّل إِلَى ذَلِك بِالْعلمِ