وَفِي التفريغ لِلْعِبَادَةِ لَا يتَمَكَّن إِلَّا من أَدَاء بعض الْأَنْوَاع كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاة
وَجه القَوْل الآخر وَهُوَ الْأَصَح أَن الْأَنْبِيَاء وَالرسل عَلَيْهِم السَّلَام مَا اشتغلوا بِالْكَسْبِ فِي عَامَّة الْأَوْقَات وَلَا يخفى على أحد أَن اشتغالهم بِالْعبَادَة فِي عمرهم كَانَ أَكثر من إشتغالهم بِالْكَسْبِ وَمَعْلُوم أَنهم كَانُوا يختارون لأَنْفُسِهِمْ أَعلَى الدَّرَجَات وَلَا شكّ أَن أَعلَى مناهج الدّين طَرِيق الْمُرْسلين عَلَيْهِم السَّلَام وَكَذَا النَّاس فِي الْعَادة إِذا حزبهم أَمر يَحْتَاجُونَ إِلَى دَفعه عَن أنفسهم فيشتغلون بِالْعبَادَة لَا بِالْكَسْبِ وَالنَّاس إِنَّمَا يَتَقَرَّبُون إِلَى الْعباد دون المكتسبين وَالدَّلِيل عَلَيْهِ أَن الِاكْتِسَاب يَصح من الْكَافِر وَالْمُسلم جَمِيعًا فَكيف يَسْتَقِيم القَوْل بتقديمه على مَا لايصح إِلَّا من الْمُؤمنِينَ خَاصَّة وَهِي الْعِبَادَة وَالدَّلِيل عَلَيْهِ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما سُئِلَ عَن أفضل الْأَعْمَال قَالَ أحمزها أَي أشقها على الْبدن وَإِنَّمَا أَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن الْمَرْء إِنَّمَا ينَال أَعلَى الدَّرَجَات بِمَنْع النَّفس عَن هَواهَا قَالَ الله تَعَالَى {وَنهى النَّفس عَن الْهوى} الْآيَة والاشتغال بِهَذِهِ الصّفة فِي الِابْتِدَاء والدوام فِي الْعِبَادَات فَأَما الْكسْب فَفِيهِ بعض التَّعَب فِي الِابْتِدَاء وَلَكِن فِيهِ قَضَاء الشَّهْوَة فِي الِانْتِهَاء وَتَحْصِيل مُرَاد النَّفس فَلَا بُد من القَوْل بِأَن مَا يكون بِخِلَاف هوى النَّفس ابْتِدَاء وانتهاء فَهُوَ أفضل
وَلَا يدْخل على شئ مِمَّا ذكرنَا النِّكَاح فَإِن الِاشْتِغَال بِالنِّكَاحِ أفضل عندنَا من التخلي لعبادة الله تَعَالَى وَهَذَا الْمَعْنى مَوْجُود فِيهِ لِأَنَّهُ إِنَّمَا كَانَ ذَلِك أفضل