ويبدو أن تأليف هذا الكتاب إنما اقترن بإزماع ابن الخطيب أن يؤدي فريضة الحج، وانه صرف إلى المشرق وجه، واخذ يمني النفس برؤية المشاهد الكريمة، والمعاهد التي طاب ثراها " نسأل الله أن يتم علينا فضله باحتلالها، وتسكين الأشواق في ضلالها " ثم يقول معتذرا عن هديته هذه التي يحتقبها إلى المشرق: " وان كان كل جالب مثل هذا إلى البلاد المشرقية - اعز الله اهلها، وامن حزنها وسهلها - جالب نغبة إلى غدير، وحبابة إلى كاس مدير " (?) . فالكتاب في صورته العامة " تقرير " يقدمه ابن الخطيب إلى المشارقة معرفا بشعراء الأندلس المعاصرين على مثال ما فعل ابن سعيد وابن اليسع وابن دحية من قبل: " فجمعت في هذا الكتاب جملة وافرة، وكتيبة ظافرة، ممن لقيناه في بلدنا الذي طوينا جديد العمر في ظله، وطاردنا قنائص الآمال في حرمه وحله ما بين من تلقينا أفادته، أو أكرمنا وفادته، وبين من علمناه وخرجناه، ورشحناه ودرجناه، ومن اصطفيناه ورعيناه، فما أضعناه " (?) . وفي هذه النية غرض كامن، تدل عليه هذه الكلمات المقتبسة، وذلك أن الكتاب شهادة لابن الخطيب نفسه، بما كان له من مكانة وما أثار من نشاط ادبي، وما أفاض على غيره من فضل، إذ يكاد يكون محور هذا الكتاب هو ابن الخطيب نفسه، ممدوحا أو متفضلا أو مثيرا إلى القول أو مواجها بنكران الجميل.

ثم أن لسان الدين كان قد كتب في عصر الشباب كتابه " التاج المحلى في مساجلة القدح المعلى " وفاته أن يذكر فيه بعض من لم يكن بلغه شئ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015