وأن يحموا المجرم وهم يعرفون جرمه، فلا تناله يد القانون الظالم في شرعهم، لينالوه بأيديهم. ثم تتسلسل الجرائم هكذا دواليك. وكثيراً ما يخطئون تقدير أدلة الإجرام، وهم عامة أو أشباه عامة، فينالون غير قاتلهم، بما جنى عليه وعليهم هذا القانون.
ولو أننا حكمنا شريعتنا، وأطعنا ربنا، وأعطينا الدماء حقها وحرمتها، فوضعنا القصاص موضعه، وتركنا في جريمة القتل العمد الشروط التي ليست في كتاب الله، وما يسمى الظروف المخففة، وتركنا هذه الإجراءات المطولة المعقدة، وأسرعنا في إقامة العدل، وأظهرنا منه موضع العبرة والموعظة، لو فعلنا هذا لنقصت جرائم القتل نقصاً بيناً، لما يعلم القاتل أن يد الشرع لا تفلته.
وهذه جرائم السرقة، ليست بي حاجة أن أفصل لكم ما جنت كثرتها على الأمة وعلى الأمن، وها أنتم أولاء تسمعون حوادثها وفظائعها، وتقرؤون من أخبارها في كل يوم، وترون السجون قد ملئت بأكابر المجرمين العائدين، وبتلاميذهم المبتدئين الناشئين، ثم كلما زادوهم سجناً زادوا طغياناً. ولو أنهم أقاموا ما أنزل إليهم من ربهم، وحدوا السارق بما حكم الله به عليه، لكنتم تتشوفون إلى أن تسمعوا خبراً واحداً عن سرقة، ثم لو وقع كان فاكهة يتندر الناس بها، ذلك أن عقوبة الله حاسمة، لا يحاول اللص معها أن يختبر ذكاءه وفنه.