لا تدغم النون وإنما تحولها ميماً. والميم لا تقع ساكنة قبل الباء في كلمةٍ، فليس في هذا التباسٌ بغيره.
ولا نعلم النون وقعت ساكنة في الكلام قبل راء ولا لام، لأنهم إن بينوا ثقل عليهم لقرب المخرجين، كما ثقلت التاء مع الدال في ودٍ وعدانٍ. وإن أدغموا التبس بالمضاعف ولم يجز فيه ما جاز في ودٍ فيدغم، لأن هذين حرفان كل واحدٍ منهما يدغم في صاحبه، وصوتهما من الفم، والنون ليست كذلك لأن فيها غنةٌ فتلتبس بما ليس فيه الغنة، إذ كان ذلك الموضع قد تضاعف فيه الراء. وذلك أنه ليس في الكلام مثل قنرٍ وعنلٍ. وإنما احتمل ذلك في الواو والياء والميم لبعد المخارج.
وليس حرفٌ من الحروف التي تكون النون معها من الخياشيم يدغم في النون، لأن النون لم تدغم فيهن حتى يكون صوتها من الفم وتقلب حرفاً بمنزلة الذي بعدها، وإنما هي معهن حرفٌ بائنٌ مخرجه من الخياشيم، فلا يدغمن فيها كما لا تدغم هي فيهن؛ وفعل ذلك بها معهن لبعدهن منها وقلة شبههن بها، فلم يحتمل لهن أن تصير من مخارجهن.
وأما اللام فقد تدغم فيها، وذلك قولك: هنرى، فتدغم في النون. والبيان أحسن، لأنه قد امتنع أن يدغم في النون ما أدغمت فيه سوى اللام، فكأنهم يستوحشون من الإدغام فيها.
ولم يدغموا الميم في النون لأنها لا تدغم في الباء التي هي من مخرجها ومثلها في الشدة ولزوم الشفتين، فكذلك لم يدغموها فيما تفاوت مخرجه عنها ولم يوافقها إلا في الغنة.