وتكون النون مع سائر حروف الفم حرفاً خفياً مخرجه من الخياشيم؛ وذلك أنها من حروف الفم، وأصل الإدغام لحروف الفم، لأنها أكثر الحروف، فلما وصلوا إلى أن يكون لها مخرجٌ من غير الفم كان أخف عليهم أن لا يستعملوا ألسنتهم إلا مرة واحدة، وكان العلم بها أنها نون من ذلك الموضع كالعلم بها وهي من الفم، لأنه ليس حرفٌ يخرج من ذلك الموضع غيرها، فاختاروا الخفة إذ لم يكن لبسٌ، وكان أصل الإدغام وكثرة الحروف للفم. وذلك قولك: من كان، ومن قال، ومن جاء.
وهي مع الراء واللام والياء والواو إذا أدغمت بغنة فليس مخرجها من الخياشيم، ولكن صوت الفم أشرب غنةً. ولو كان مخرجها من الخياشيم لما جاز أن تدغمها في الواو والياء والراء واللام، حتى تصير مثلهن في كل شيء.
وتكون مع الهمزة والهاء والعين والحاء والغين والخاء بينةً، موضعها من الفم. وذلك أن هذه الستة تباعدت عن مخرج النون وليست من قبيلها، فلم تخف ههنا كما لم تدغم في هذا الموضع، وكما أن حروف اللسان لا تدغم في حروف الحلق. وإنما أخفيت النون في حروف الفم كما أدغمت في اللام وأخواتها.
وهو قولك: من أجل زيدٍ، ومن هنا، ومن خلفٍ، ومن حاتمٍ، ومن عليك، ومن غلبك، ومنخلٌ. بينةٌ، هذا الأجود الأكثر.
وبعض العرب يجري الغين والخاء مجرى القاف. وقد بينا لم ذلك.