ومما يستحسن من أشعار المحدثين قول إسحاق بن خلف البهراتي، ونسبه في بني حنيفة لسباء وقع عليه، يقول لعلي بن عيسى بن مريم بن موسى بن طلحة الأشعري المعروف بالقمي1:
وللكرد منك إذا زرتهم ... بكيدك يوم كيوم الحمل
ومازال عيسى بن موسى له ... مواهب غير النطاف المكل2
لسل السيوف وشق الصفوف ... لنقض الترات وضرب القلل
ولبس العجاجة والخافقات ... تريك المنا برؤوس الأسل
وقد كشرت عن شبا نابها ... عروس المنية بين الشعل
وجاءت تهادى وأبناؤها ... كأن عليهم شروق الطفل
خروسٌ نطوق إذا استنطقت ... جهول تطيش على من جهل
إذا خطبت أخذت مهرها ... رؤوساً تحادر قبل النقل
ألد إليه من المسمعات ... وحث الكؤوسه في يوم طل
وشرب المدام ومن يشتهيه ... معاط له بمزاح القبل
بعثنا النّواعج تحت الرحال ... تسافه أشدقها في الجدل
إذا ما حدين بمدح الأمير ... سبقن لحاظ المحثّ3 العجل
قوله: "تريك المنا" يريد المنايا وهذه كلمة تخف على ألسنتهم فيحذفونها، وزعم الأصمعي أنه سمع العرب تقول: درس المنا، يريدون المنازل، وجاء في التخفيف أعجب من هذا، حدثنا بعض أصحابنا عن الأصمعي وذكره سيبويه في كتابه ولم يذكر قائله، ولكن الأصمعي قال: كان أخوان متجاوران لا يكلم كل واحد منهما صاحبه سائر سنته حتى يأتي وقت الرعي. فيقول أحدهما لصاحبه: ألاتا? فيقول الآخر: بلى فا، يريد: ألا تنهض? فيقول الآخر، فأنهض. وحكى سيبويه في هذا الباب: