فأما قولك: إن الله اختار لك في الكفر، فجعل أباك أهون أهل النار عذاباً، فليس في الشر خيار، ولا من عذاب الله هين، ولا ينبغي لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يفخر بالنار، وسترد فتلعم، {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} 1

وأما قولك: إنك لم تلدك العجم ولم تعرق فيك أمهات الأولاد وأنك أوسط بني هاشم نسباً وخيرهم أماً وأباً، فقد رأيتك فخرت على بني هاشم طراً، وقدمت نفسك على من هو خير من أولاً وآخراً، وأصلاً وفصلاً، فخرت على إبراهيم ابن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعلى والد ولده، فانظر ويحك أين تكون من الله غداً! وما ولد فيكم مولود بعد وفاة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أفضل من علي بن الحسين، وهو لأم ولد، ولقد كان خيراً من جدك حسن بن حسن، ثم ابنه محمد بن علي خير من أبيك، وجدته أم ولد، ثم ابنه جعفر، وهو خير منك، ولقد علمت أن جدك علياً حكم حكمين وأعطاهما عهده وميثاقه على الرضا بما حكما به، فاجتمعا على خلعه، ثم خرج عمك الحسين بن علي على ابن مرجانة2، فكان الناس الذين معه عليه حتى قتلوه، ثم أتوا بكم على الأقتاب3 بغير أوطية، كالسبي المجلوب، إلى الشأم.

ثم خرج منكم غير واحد فقتلتكم بنو أمية، وحرقوكم بالنار، وصلبوكم على جذوع النخل، حتى خرجنا عليهم، فأدركنا بثأركم إذ لم تدركوه، ورفعنا أقداركم، وأورثناكم أرضهم وديارهم، بعد أن كانوا يعلنون أباك في أدبار الصلاة المكتوبة كما تلعن الكفرة، فعنفناهم وكفرناهم، وبينا فضله، وأشدنا بذكره، فاتخذت ذلك علينا حجة، وظننت أنا لما ذكرنا من فضل علي أنا قدمناه على حمزة والعباس وجعفر، كل أولئك مضوا سالمين مسلماً منهم، وابتلي أبوك بالدماء، ولقد علمت أن مآثرنا في الجاهلية سقاية الحجيج الأعظم، وولاية زمزم، وكانت للعباس دون إخوته، فنازعنا فيها أبوك إلى عمر، فقضى لنا عمر عليه، وتوفي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وليس من عمومته أحد حياً إلا العباس، فكان وارثه دون بني عبد المطلب، وطلب الخلافة غير واحد من بني هاشم، فلم ينلها إلا ولده،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015