وذكر الحرمازي أن الأحنف بن قيس لما مات، وكان موته بالكوفة، مشى المصعب بن الزبير في جنازته بغير رداء، وقال: اليوم مات سيد العرب، فلما دفن قامت امرأة على قبره - أحسبها من بني منقر - فقالت: لله درك من مجن في جنن1، ومدرج في كفن! فنسأل الذي فجعنا بموتك، وابتلانا بفقدك، أن يجعل سبيل الخير سبيلك، ودليل الخير دليلك، وأن يوسع لك في قبرك، ويغفر لك يوم حشرك، وفوالله لقد كنت في المحافل شريفاً، وعلى الأرامل عطوفاً، ولقد كنت في الحي مسوداً، وإلى الخليفة موفداً، ولقد كانوا لقولك مستمعين، ولرأيك متبعين. قال: فقال الناس: ما سمعنا كلام امرأة أبلغ ولا أصدق معنى منها.
ووقف رجل على قبر النجاشي فترحم وقال: لولا أن القول لا يحيط بما فيك، والوصف يقصر دونك لأطنبت، بل لأسهبت. ثم عقر ناقته على قبره، وقال:
عقرت على قبر النجاشي ناقتي ... بأبيض عضب أخلصته صياقله
على قبر من لو أنني مت قبله ... لهانت عليه عند قبري رواحله
وروى ابن دأب أن حسان بن ثابت الأنصاري اجتاز بقبر ربيعة بن مكدم فأنشد:
لا يبعدن ربيعة بن مكدم ... وسقى الغوادي قبره بذنوب
نفرت قلوصي من حجارة حرة ... نصبت على طلق اليدين وهوب
لا تنفري يا ناق منه فإنه ... شريب خمر مسعر لحروب2
لولا السفار وطول قفر مهمه ... لتركتها تحبو على العرقوب3