فترجل عبد الرحمن بن مخنف فجالدهم فقتل، وقتل معه سبعون من القراء، فيهم نفر من أصحاب علي بن أبي طالب صلوات الله عليه، ونفر من أصحاب ابن مسعود، وبلغ الخبر المهلب، وجعفر بن عبد الرحمن بن مخنف عند المهلب، فجاءهم مغيثاً فقاتلهم حتى ارتث1 وصرع، ووجه المهلب إليهم ابنه حبيباً فكشفهم، ثم جاء المهلب حتى صلى على ابن مخنف وأصحابه رحمهم الله، وصار جنده في جند المهلب، فضمهم إلى ابنه حبيب، فعيرهم البصريون، فقال رجل لجعفر بن عبد الرحمن:

تركت أصحابنا تدمى نحورهم ... وجئت تسعى إلينا خضفة الجمل2

قوله: خضفة الجمل يريد ضرطة الجمل، يقال: خضف البعير. وأنشدني الرياشي لأعرابي يذم رجلاً اتخذ وليماً:

إنا وجدنا خلفاً بئس الخلف ... أغلق عنا بابه م حلف

لا يدخل البواب إلا من عرف ... عبداً3 إذا ما ناء بالجمل خضف4

يقال: ناء بحمله، إذا حمله في ثقل وتكلف، وفي القرآن: {مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ} 5، والمعنى أن العصبة تنوء بالمفاتيح. وقد مضى تفسير هذا.

فلامهم المهلب، وقال: بئسما قلتم! والله ما فروا ولا جبنوا، ولكنهم خالفا أميرهم، أفلا تذكرون فراركم يوم دولاب، وفراركم بدارس6 عن عثمان، وفراركم عني! ووجه الحجاج البراء بن قبيصة إلى المهلب يستحثه في مناجزة القوم، وكتب إليه: إنك لتحب بقاءهم لتأكل بهم. فقال المهلب لأصحابه: حركوهم، فخرج فرسان من أصحابه إليهم، فخرج إليهم من الخوارج جمع، فاقتتلوا إلى الليل، فقال لهم الخوارج: ويلكم أما تملون! فقالوا: لا، حتى تملوا، قالوا: فمن أنتم?

طور بواسطة نورين ميديا © 2015