التراب في وجوههم، والمهلب غير حاضر، ثم قتل رحمه الله، وحضر المهلب فأخبر، فقال للحريش وعطية العنبري: أأسلمتما سيد أهل العسكر، لم تعيناه ولم تستنقذاه، حسداً له، لأنه رجل من الموالي! ووبخهما، وحمل رجل من الخوارج على رجل من أصحابه فقتله، فحمل عليه المهلب فطعنه وقتله، ومال الخوارج بأجمعهم على العسكر، فانهزم الناس، وقتلوا سبعين رجلاً، وثبت المهلب، وأبلى المغيرة يومئذ وعرف مكانه، ويقال: حاص المهلب يومئذ حيصة1. وتقول الأزد: بل كان يرد المنهزمة ويحمي أبارهم، فقال رجل من بني منقر بن عبيد بن الحارث بن كعب بن سعد بن مناة بن تميم:

بسولاف أضعت دماء قومي ... وطرت على مواشكة درور

قوله: مواشكة يريد سريعة، ويقال: نحن على وشك رحيل. ويقال: ذميل مواشك، إذا كان سريعاً، قال ذو الرمة:

إذا ما رمينا رمية في مفازة ... عراقيبها بالشيظمي المواشك2

ودرور، فعول من در الشيء، إذا تتابع.

وقال رجل من بني تميم آخر:

تبعنا الأعور الكذاب طوعاً ... يزجي كل أربعة حمارا3

فيا ندمى على تركي عطائي ... معاينة وأطلبه ضمارا

إذا الرحمن يسر لي قفولاً ... فحرق في قرى سولاف نارا

قوله: الأعور الكذاب، يعني المهلب، ويقال: غارت عينه بسهم كان أصابها. وقال: الكذاب لأن المهلب كان فقيهاً، وكان يعلم ما جاء عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من قوله: "كل كذب يكتب كذبا إلا ثلاثة: الكذب في الصلح بين الرجلين، وكذب الرجل لامرأته يعدها، وكذب الرجل في الحرب يتوعد ويتهدد".

وجاء عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنما أنت رجل، فخذل عنا، فإنما الحرب خدعة".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015