تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِراً كَفَّاراً} 1، فهذا أمر الكافرين وأمر أطفالهم. فشهد نافع أنهم جميعاً في النار، ورأى قتلهم. وقال: الدار دار كفر إلا من اظهر ايمانه, ولا يحل أكل ذبائحهم2, تناكحهم، ولا توارثهم، ومتى جاء منهم جاء فعلينا أن نمتحنه، وهم ككفار العرب، لا نقبل منهم إلا الإسلام أو السيف، والقعد بمنزلتهم، والتقية لا تحل، فإن الله تعالى يقول: {إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً} 3، وقال عز وجل فيمن كان على خلافهم: {يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ} 4. فنفر جماعة من الخوارج عنه، منهم نجدة بن عامر، واحتج عليه بقول الله عز وجل: {إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً} 5 وبقوله عز وجل: {وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ} 6، فالقعد منا، والجهاد إذا أمكن أفضل، لقوله جل وعز: {وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً} 7.
ثم مضى نجدة بأصحابه إلى اليمامة وتفرقوا في البلدان.
فلما تتابع8 نافع في رأيه وخالف أصحابه، وكان أبو طالوت سالم بن مطر بالخضارم9 في جماعة قد بايعوه، فلما انخزل نجدة خلعوا أبا طالوت، وصاروا إلى نجدة فبايعوه، ولقي نجدة وأصحابه قوماً من الخوارج بالعرمة10 والعرمة كالسكر11، وجمعها عرم، وفي القرآن المجيد {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ} 12، وقل النابغة الجعدي:
من سبأ الحاضرين مأرب إذ ... يبنون من دون سيله العرما
فقال لهم أصحاب نجدة: إن نافعاً قد أكفر13 القعد ورأى الاستعراض، وقتل الأطفال، فانصرفوا مع نجدة، فلما صار باليمامة كتاب إلى نافع.