التَّذَارِقُ، وَعَلَى الْمُقَدِّمَةِ جَرَجَةُ، وَعَلَى الْمُجَنِّبَةِ بَاهَانُ، وَلَمْ يَكُنْ وَصَلَ بَعْدُ إِلَيْهِمْ، وَالدُّرَاقِصُ عَلَى الْأُخْرَى، وَعَلَى الْحَرْبِ الْقَيْقَارُ. فَنَزَلَ الرُّومُ وَصَارَ الْوَادِي خَنْدَقًا لَهُمْ، وَإِنَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَتَأَنَّسَ الرُّومُ بِالْمُسْلِمِينَ لِتَرْجِعَ إِلَيْهِمْ قُلُوبُهُمْ، وَنَزَلَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى طَرِيقِهِمْ، لَيْسَ لِلرُّومِ طَرِيقٌ إِلَّا عَلَيْهِمْ، فَقَالَ عَمْرٌو: أَبْشِرُوا! حُصِرَتِ الرُّومُ، وَقَلَّ مَا جَاءَ مَحْصُورٌ بِخَيْرٍ.
وَأَقَامُوا صَفَرًا عَلَيْهِمْ وَشَهْرَيْ رَبِيعٍ لَا يَقْدِرُونَ مِنْهُمْ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الْوَادِي وَالْخَنْدَقِ، وَلَا يَخْرُجُ الرُّومُ خَرْجَةً إِلَّا أُدِيلَ عَلَيْهِمُ الْمُسْلِمُونَ.
لَمَّا رَأَى الْمُسْلِمُونَ مُطَاوَلَةَ الرُّومِ اسْتَمَدُّوا أَبَا بَكْرٍ، فَكَتَبَ إِلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ يَأْمُرُهُ بِالْمَسِيرِ إِلَيْهِمْ، وَبِالْحَثِّ، وَأَنْ يَأْخُذَ نِصْفَ النَّاسِ وَيَسْتَخْلِفَ عَلَى النِّصْفِ الْآخَرِ الْمُثَنَّى بْنَ حَارِثَةَ الشَّيْبَانِيَّ، وَلَا يَأْخُذَنَّ مَنْ فِيهِ نَجْدَةٌ إِلَّا وَيَتْرُكَ عِنْدَ الْمُثَنَّى مِثْلَهُ، وَإِذَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ رَجَعَ خَالِدٌ وَأَصْحَابُهُ إِلَى الْعِرَاقِ.
فَاسْتَأْثَرَ خَالِدٌ بِأَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْمُثَنَّى، وَتَرَكَ لِلْمُثَنَّى عِدَادَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْقَنَاعَةِ مَنْ لَيْسَ لَهُ صُحْبَةٌ، ثُمَّ قَسَمَ الْجُنْدَ نِصْفَيْنِ، فَقَالَ الْمُثَنَّى: وَاللَّهِ لَا أُقِيمُ إِلَّا عَلَى إِنْفَاذِ أَمْرِ أَبِي بَكْرٍ، وَبِاللَّهِ مَا أَرْجُو النَّصْرَ إِلَّا بِأَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَلَمَّا رَأَى خَالِدٌ ذَلِكَ أَرْضَاهُ.
وَقِيلَ: سَارَ مِنَ الْعِرَاقِ فِي ثَمَانِمِائَةٍ، وَقِيلَ: فِي سِتِّمِائَةٍ، وَقِيلَ: فِي خَمْسِمِائَةٍ، وَقِيلَ: فِي تِسْعَةِ آلَافٍ، وَقِيلَ: فِي سِتَّةِ آلَافٍ.
وَقِيلَ: إِنَّمَا أَمَرَهُ أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَأْخُذَ أَهْلَ الْقُوَّةِ وَالنَّجْدَةِ، فَأَتَى حَدَوْدَاءَ فَقَاتَلَهُ أَهْلُهَا فَظَفِرَ بِهِمْ، وَأَتَى الْمُصَيَّخَ وَبِهِ جَمْعٌ مِنْ تَغْلِبَ فَقَاتَلَهُمْ وَظَفِرَ بِهِمْ، وَسَبَى وَغَنِمَ.