وَفِي عَيْنِ التَّمْرِ قُتِلَ عُمَيْرُ بْنُ رِئَابٍ السَّهْمِيُّ، وَكَانَ مِنْ مُهَاجَرَةِ الْحَبَشَةِ، وَمَاتَ بِهَا بَشِيرُ بْنُ سَعْدٍ الْأَنْصَارِيُّ وَالِدُ النُّعْمَانِ، فَدُفِنَ بِهَا إِلَى جَانِبِ عُمَيْرٍ.

ذِكْرُ خَبَرِ دُومَةِ الْجَنْدَلِ

وَلَمَّا فَرَغَ خَالِدٌ مِنْ عَيْنِ التَّمْرِ أَتَاهُ كِتَابُ عِيَاضِ بْنِ غَنْمٍ يَسْتَمِدُّهُ عَلَى مَنْ بِإِزَائِهِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَسَارَ خَالِدٌ إِلَيْهِ، فَكَانَ بِإِزَائِهِ بَهْرَاءُ وَكَلْبٌ وَغَسَّانُ وَتَنُوخُ وَالضَّجَاعِمُ، وَكَانَتْ دُومَةُ عَلَى رَئِيسَيْنِ: أُكَيْدِرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَالْجُودِيُّ بْنُ رَبِيعَةَ، فَأَمَّا أُكَيْدِرُ فَلَمْ يَرَ قِتَالَ خَالِدٍ وَأَشَارَ بِصُلْحِهِ خَوْفًا، فَلَمْ يَقْبَلُوا مِنْهُ، فَخَرَجَ عَنْهُمْ، وَسَمِعَ خَالِدٌ بِمَسِيرِهِ فَأَرْسَلَ إِلَى طَرِيقِهِ فَأَخَذَهُ أَسِيرًا فَقَتَلَهُ، وَأَخَذَ مَا كَانَ مَعَهُ، وَسَارَ حَتَّى نَزَلَ عَلَى أَهْلِ دُومَةِ الْجَنْدَلِ، فَجَعَلَهَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ عِيَاضٍ. فَلَمَّا اطْمَأَنَّ خَالِدٌ خَرَجَ إِلَيْهِ الْجُودِيُّ فِي جَمْعٍ مِمَّنْ عِنْدَهُ مِنَ الْعَرَبِ لِقِتَالِهِ، وَأَخْرَجَ طَائِفَةً أُخْرَى إِلَى عِيَاضٍ، فَقَاتَلَهُمْ عِيَاضٌ فَهَزَمَهُمْ، فَهَزَمَ خَالِدٌ مَنْ يَلِيهِ، وَأَخَذَ الْجُودِيَّ أَسِيرًا وَانْهَزَمُوا إِلَى الْحِصْنِ، فَلَمَّا امْتَلَأَ أَغْلَقُوا الْبَابَ دُونَ أَصْحَابِهِمْ فَبَقُوا حَوْلَهُ، فَأَخَذَهُمْ خَالِدٌ فَقَتَلَهُمْ حَتَّى سَدَّ بَابَ الْحِصْنِ، وَقَتَلَ الْجُودِيَّ وَقَتَلَ الْأَسْرَى إِلَّا أَسْرَى كَلْبٍ، فَإِنَّ تَمِيمًا قَالُوا لِخَالِدٍ: قَدْ أَمَّنَّاهُمْ، وَكَانُوا حُلَفَاءَهُمْ، فَتَرَكَهُمْ. ثُمَّ أَخَذَ الْحِصْنَ قَهْرًا فَقَتَلَ الْمُقَاتِلَةَ، وَسَبَى الذُّرِّيَّةَ وَالسَّرْحَ، فَبَاعَهُمْ، وَاشْتَرَى خَالِدٌ ابْنَةَ الْجُودِيِّ، وَكَانَتْ مَوْصُوفَةً.

وَأَقَامَ خَالِدٌ بِدُومَةِ الْجَنْدَلِ، فَطَمِعَ الْأَعَاجِمُ، وَكَاتَبَهُمْ عَرَبُ الْجَزِيرَةِ غَضَبًا لِعَقَّةَ، فَخَرَجَ زُرْمِهْرُ وَرُوزْبَهْ يُرِيدَانِ الْأَنْبَارَ، وَاتَّعَدَا حُصَيْدًا وَالْخَنَافِسَ، فَسَمِعَ الْقَعْقَاعُ بْنُ عَمْرٍو، وَهُوَ خَلِيفَةُ خَالِدٍ عَلَى الْحِيرَةِ، فَأَرْسَلَ أَعْبَدَ بْنَ فَدَكِيٍّ وَأَمَرَهُ بِالْحُصَيْدِ، وَأَرْسَلَ عُرْوَةَ بْنَ الْجَعْدِ الْبَارِقِيَّ إِلَى الْخَنَافِسِ، فَخَرَجَا، فَحَالَا بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الرِّيفِ، وَرَجَعَ خَالِدٌ إِلَى الْحِيرَةِ، فَبَلَغَهُ ذَلِكَ، وَكَانَ عَازِمًا عَلَى مُصَادَمَةِ أَهْلِ الْمَدَائِنِ، فَمَنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ كَرَاهِيَةُ مُخَالَفَةِ أَبِي بَكْرٍ، فَعَجَّلَ الْقَعْقَاعَ بْنَ عَمْرٍو وَأَبَا لَيْلَى بْنَ فَدَكِيٍّ إِلَى رُوزْبَهْ وَزُرْمِهْرَ، وَوَصَلَ إِلَى خَالِدٍ أَنَّ الْهُذَيْلَ بْنَ عِمْرَانَ قَدْ عَسْكَرَ بِالْمُصَيَّخِ، فَنَزَلَ رَبِيعَةُ بْنُ بُجَيْرٍ بِالثِّنْيِ وَبِالْبِشْرِ غَضَبًا لِعَقَّةَ، يُرِيدَانِ زُرْمِهْرَ وَرُوزْبَهْ، فَخَرَجَ خَالِدٌ وَسَارَ إِلَى الْقَعْقَاعِ وَأَبِي لَيْلَى، فَاجْتَمَعَ بِهِمَا بِالْعَيْنِ، فَبَعَثَ الْقَعْقَاعَ إِلَى حُصَيْدٍ، وَبَعَثَ أَبَا لَيْلَى إِلَى الْخَنَافِسِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015