«قَالَتْ عَائِشَةُ: وَكُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ كَثِيرًا: إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَقْبِضْ نَبِيًّا حَتَّى يُخَيِّرَهُ. قَالَتْ: فَلَمَّا احْتُضِرَ كَانَ آخِرُ كَلِمَةٍ سَمِعْتُهَا مِنْهُ وَهُوَ يَقُولُ: بَلِ الرَّفِيقُ الْأَعْلَى. قَالَتْ: قُلْتُ: إِذًا وَاللَّهِ لَا يَخْتَارُنَا، وَعَلِمْتُ أَنَّهُ تُخُيِّرَ» .
وَلَمَّا اشْتَدَّ مَرَضُهُ أَذَّنَهُ بِلَالٌ بِالصَّلَاةِ فَقَالَ: مُرُوا أَبَا بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ: إِنَّهُ رَجُلٌ رَقِيقٌ، وَإِنَّهُ مَتَى يَقُومُ مَقَامَكَ لَا يُطِيقُ ذَلِكَ. فَقَالَ: مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَيُصَلِّي بِالنَّاسِ. فَقُلْتُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَغَضِبَ، وَقَالَ: إِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ، مُرُوا أَبَا بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ. فَتَقَدَّمَ أَبُو بَكْرٍ، فَلَمَّا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ وَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خِفَّةً فَخَرَجَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ، فَلَمَّا دَنَا مِنْ أَبِي بَكْرٍ تَأَخَّرَ أَبُو بَكْرٍ، فَأَشَارَ إِلَيْهِ أَنْ قُمْ مَقَامَكَ، فَقَعَدَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي إِلَى جَنْبِ أَبِي بَكْرٍ جَالِسًا، فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِصَلَاةِ النَّبِيِّ، وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ.
وَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ بِالنَّاسِ سَبْعَ عَشْرَةَ صَلَاةً، وَقِيلَ: ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ.
ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ إِلَى النَّاسِ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ، فَكَادَ النَّاسُ يَفْتَتِنُونَ فِي صَلَاتِهِمْ؛ فَرَحًا بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَحًا لِمَا رَأَى مِنْ هَيْئَتِهِمْ فِي الصَّلَاةِ، ثُمَّ رَجَعَ وَانْصَرَفَ النَّاسُ وَهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَفَاقَ مِنْ وَجَعِهِ، وَرَجَعَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى مَنْزِلِهِ بِالسُّنْحِ.