تَضَوُّرَ الْعَبَّاسِ فِي وَثَاقِهِ، فَمَنَعَ مِنِّي النَّوْمَ. فَقَامُوا إِلَيْهِ فَأَطْلَقُوهُ، فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» .
«وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِأَصْحَابِهِ يَوْمَئِذٍ: قَدْ عَرَفْتُ رِجَالًا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَغَيْرِهِمْ أُخْرِجُوا كُرْهًا، فَمَنْ لَقِيَ مِنْكُمْ أَحَدًا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ فَلَا يَقْتُلْهُ، وَمَنْ لَقِيَ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَلَا يَقْتُلْهُ؛ فَإِنَّهُ أُخْرِجَ كُرْهًا. فَقَالَ أَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ: أَنَقْتُلُ أَبْنَاءَنَا وَآبَاءَنَا وَإِخْوَانَنَا وَنَتْرُكُ الْعَبَّاسَ؟ وَاللَّهِ لَئِنْ لَقِيتُهُ لَأُلْحِمَنَّهُ بِالسَّيْفِ. فَبَلَغَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لِعُمَرَ: يَا أَبَا حَفْصٍ، أَمَا تَسْمَعُ قَوْلَ أَبِي حُذَيْفَةَ؟ أَيُضْرَبُ وَجْهُ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ بِالسَّيْفِ؟ فَقَالَ أَبُو حُذَيْفَةَ: لَا أَزَالُ خَائِفًا مِنْ تِلْكَ الْكَلِمَةِ، وَلَا يُكَفِّرُهَا عَنِّي إِلَّا الشَّهَادَةُ. فَقُتِلَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ شَهِيدًا. وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِأَصْحَابِهِ: قَدْ رَأَيْتُ جَبْرَائِيلَ وَعَلَى ثَنَايَاهُ النَّقْعُ» .
«فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي غِفَارٍ: أَقْبَلْتُ أَنَا وَابْنُ عَمٍّ لِي، فَصَعِدْنَا جَبَلًا يُشْرِفُ بِنَا عَلَى بَدْرٍ وَنَحْنُ مُشْرِكَانِ، نَنْظُرُ لِمَنْ تَكُونُ الدَّائِرَةُ فَنَنْتَهِبُ، فَدَنَتْ مِنَّا سَحَابَةٌ، فَسَمِعْتُ فِيهَا حَمْحَمَةَ الْخَيْلِ، وَسَمِعْتُ قَائِلًا يَقُولُ: أَقْدِمْ حَيْزُومُ، قَالَ: فَأَمَّا ابْنُ عَمِّي فَمَاتَ مَكَانَهُ، وَأَمَّا أَنَا فَكِدْتُ أَهْلِكُ فَتَمَاسَكْتُ» .
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الْمَازِنِيُّ: إِنِّي لَأَتْبَعُ رَجُلًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ لِأَضْرِبَهُ إِذْ وَقَعَ رَأْسُهُ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ سَيْفِي إِلَيْهِ، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ قَتَلَهُ غَيْرِي.
وَقَالَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ: كَانَ أَحَدُنَا يُشِيرُ بِسَيْفِهِ إِلَى الْمُشْرِكِ فَيَقَعُ رَأْسُهُ عَنْ جَسَدِهِ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهِ السَّيْفُ.
فَلَمَّا هَزَمَ اللَّهُ الْمُشْرِكِينَ، وَقَتَلَ مِنْهُمْ مَنْ قَتَلَ، وَأَسَرَ مَنْ أَسَرَ، أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تُطْرَحَ الْقَتْلَى فِي الْقَلِيبِ، فَطُرِحُوا فِيهِ إِلَّا أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ؛ فَإِنَّهُ انْتَفَخَ فِي دِرْعِهِ فَمَلَأَهَا، فَذَهَبُوا بِهِ لِيُخْرِجُوهُ فَتَقَطَّعَ، وَطَرَحُوا عَلَيْهِ مِنَ التُّرَابِ وَالْحِجَارَةِ مَا غَيَّبَهُ، وَلَمَّا أُلْقُوا فِي الْقَلِيبِ وَقَفَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ: «يَا أَهْلَ الْقَلِيبِ، بِئْسَ عَشِيرَةُ النَّبِيِّ كُنْتُمْ لِنَبِيِّكُمْ! كَذَّبْتُمُونِي وَصَدَّقَنِي النَّاسُ! ثُمَّ قَالَ: يَا عُتْبَةُ، يَا شَيْبَةُ، يَا أُمَيَّةُ بْنَ خَلَفٍ، يَا أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ - وَعَدَّدَ مَنْ كَانَ فِي الْقَلِيبِ - هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَكُمْ رَبُّكُمْ حَقًّا؟ فَإِنِّي وَجَدْتُ مَا وَعَدَنِي رَبِّي حَقًّا. فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ: أَتُكَلِّمُ قَوْمًا مَوْتَى؟ فَقَالَ: مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ