لِيُسَلِّمُوا الْبِلَادَ، فَسَارَ وَدَخَلَ الْبِلَادَ بِلَادَ أَذْرَبِيجَانَ، فَمَلَكَ مَدِينَةَ خُوَيٍّ وَمَا يُجَاوِرُهَا مِنَ الْحُصُونِ الَّتِي بِيَدِ امْرَأَةِ جَلَالِ الدِّينِ، وَمَلِكِ مَرَنْدَ، وَكَاتَبَهُ أَهْلُ مَدِينَةِ نقجوَانَ، فَمَضَى إِلَيْهِمْ، فَسَلَّمُوهَا إِلَيْهِ، وَقَوِيَتْ شَوْكَتُهُمْ بِتِلْكَ الْبِلَادِ، وَلَوْ دَامُوا لَمَلَكُوهَا جَمِيعَهَا، وَإِنَّمَا عَادُوا إِلَى خِلَاطَ، وَاسْتَصْحَبُوا مَعَهُمْ زَوْجَةَ جَلَالِ الدِّينِ ابْنَةَ السُّلْطَانِ طُغْرُلَ إِلَى خِلَاطَ، وَسَنَذْكُرُ بَاقِي خَبَرِهِمْ سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ [وَسِتِّمِائَةٍ] إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
ذِكْرُ وَفَاةِ الْمُعَظَّمِ صَاحِبِ دِمَشْقَ وَمُلْكِ وَلَدِهِ.
فِي هَذِهِ السَّنَةِ تُوُفِّيَ الْمَلِكُ الْمُعَظَّمُ عِيسَى ابْنُ الْمَلِكِ الْعَادِلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ سَلْخَ ذِي الْقَعْدَةِ، وَكَانَ مَرَضُهُ دُوسِنْطَارْيَا، وَكَانَ مُلْكُهُ لِمَدِينَةِ دِمَشْقَ، مِنْ حِينِ وَفَاةِ وَالِدِهِ الْمَلِكِ الْعَادِلِ، عَشْرَ سِنِينَ وَخَمْسَةَ أَشْهُرٍ وَثَلَاثَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا. وَكَانَ عَالِمًا بِعِدَّةِ عُلُومٍ، فَاضِلًا فِيهَا، مِنْهَا الْفِقْهُ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ، فَإِنَّهُ كَانَ قَدِ اشْتَغَلَ بِهِ كَثِيرًا، وَصَارَ مِنَ الْمُتَمَيِّزِينَ فِيهِ، وَمِنْهَا عِلْمُ النَّحْوِ، فَإِنَّهُ اشْتَغَلَ بِهِ أَيْضًا اشْتِغَالًا زَائِدًا، وَصَارَ فِيهِ فَاضِلًا، وَكَذَلِكَ اللُّغَةُ وَغَيْرُهَا، وَكَانَ قَدْ أَمَرَ أَنْ يُجْمَعَ لَهُ كِتَابٌ فِي اللُّغَةِ جَامِعٌ كَبِيرٌ، فِيهِ كِتَابُ " الصِّحَاحِ " لِلْجَوْهَرِيِّ، وَيُضَافُ إِلَيْهِ مَا فَاتَ " الصِّحَاحَ " مِنَ " التَّهْذِيبِ " لِلْأُرْمَوِيِّ، وَ " الْجَمْهَرَةِ " لِابْنِ دُرَيْدٍ وَغَيْرِهِمَا، وَكَذَلِكَ أَيْضًا أَمَرَ بِأَنْ يُرَتَّبَ " مُسْنَدَ " أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَلَى الْأَبْوَابِ، وَيُرَدَّ كُلُّ حَدِيثٍ إِلَى الْبَابِ الَّذِي يَقْتَضِيهِ مَعْنَاهُ، مِثَالُهُ: أَنْ يَجْمَعَ أَحَادِيثَ الطَّهَارَةِ، وَكَذَلِكَ يَفْعَلُ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا مِنَ الرَّقَائِقِ، وَالتَّفْسِيرِ، وَالْغَزَوَاتِ، فَيَكُونُ كِتَابًا جَامِعًا.
وَكَانَ قَدْ سَمِعَ " الْمُسْنَدَ " مِنْ بَعْضِ أَصْحَابِ ابْنِ الْحُصَيْنِ، وَنَفَقَ الْعِلْمُ فِي سُوقِهِ، وَقَصَدَهُ الْعُلَمَاءُ مِنَ الْآفَاقِ، فَأَكْرَمَهُمْ، وَأَجْرَى عَلَيْهِمُ الْجِرَايَاتِ الْوَافِرَةَ، وَقَرَّبَهُمْ، [وَكَانَ] يُجَالِسُهُمْ، وَيَسْتَفِيدُ مِنْهُمْ وَيُفِيدُهُمْ، وَكَانَ يَرْجِعُ إِلَى عِلْمٍ وَصَبْرٍ عَلَى سَمَاعِ مَا يَكْرَهُ، لَمْ يَسْمَعْ أَحَدٌ مِمَّنْ يَصْحَبُهُ مِنْهُ كَلِمَةً تَسُوءُهُ.
وَكَانَ حَسَنَ الِاعْتِقَادِ يَقُولُ كَثِيرًا: إِنَّ اعْتِقَادِي فِي الْأُصُولِ مَا سَطَّرَهُ أَبُو جَعْفَرٍ