وَمِنَ الْعَجَبِ أَنَّ السِّلْقَ وَالْجَزَرَ وَالشَّلْجَمَ بِيعَ كُلَّ خَمْسِ أَرْطَالٍ بِدِرْهَمٍ، وَبِيعَ الْبَنَفْسَجُ كُلُّ سِتَّةِ أَرْطَالٍ بِدِرْهَمٍ، وَبِيعَ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ كُلُّ سَبْعَةِ أَرْطَالٍ بِدِرْهَمٍ، وَهَذَا مَا لَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِهِ. فَإِنَّ الدُّنْيَا مَا زَالَتْ قَدِيمًا وَحَدِيثًا، إِذَا غَلَتِ الْأَسْعَارُ، مَتَى جَاءَ الْمَطَرُ رَخُصَتْ، إِلَّا هَذِهِ السَّنَةَ، فَإِنَّ الْأَمْطَارَ مَا زَالَتْ مُتَتَابِعَةً مِنْ أَوَّلِ الشِّتَاءِ إِلَى آخِرِ الرَّبِيعِ، وَكُلَّمَا جَاءَ الْمَطَرُ غَلَتِ الْأَسْعَارُ، وَهَذَا مَا لَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِهِ، فَبَلَغَتِ الْحِنْطَةُ مَكُّوكًا وَثُلُثًا بِدِينَارٍ وَقِيرَاطٍ، يَكُونُ وَزْنُهُ خَمْسَةً وَأَرْبَعِينَ رِطْلًا دَقِيقًا بِالْبَغْدَادِيِّ، وَكَانَ الْمِلْحُ مَكُّوكٌ بِدِرْهَمٍ، فَصَارَ الْمَكُّوكُ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ، وَكَانَ الْأَرُزُّ مَكُّوكٌ بِاثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا، فَصَارَ الْمَكُّوكُ بِخَمْسِينَ دِرْهَمًا، وَكَانَ التَّمْرُ كُلُّ أَرْبَعَةِ أَرْطَالٍ وَخَمْسَةُ أَرْطَالٍ بِقِيرَاطٍ، فَصَارَ كُلُّ رِطْلَيْنِ بِقِيرَاطٍ.
وَمِنْ عَجِيبِ مَا يُحْكَى أَنَّ السُّكَّرَ النَّادِرَ الْأَسْمَرَ كَانَ كُلُّ رِطْلٍ بِدِرْهَمٍ وَرُبُعٍ، وَكَانَ السُّكَّرُ الْأُبْلُوجُ الْمِصْرِيُّ النَّقِيُّ كُلُّ رِطْلٍ بِدِرْهَمَيْنِ، فَصَارَ السُّكَّرُ الْأَسْمَرُ كُلُّ رِطْلٍ بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ وَنِصْفٍ، وَالسُّكَّرُ الْأُبْلُوجُ كُلُّ رِطْلٍ بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ وَرُبُعٍ، وَسَبَبُهُ أَنَّ الْأَمْرَاضَ لَمَّا كَثُرَتْ وَاشْتَدَّ الْوَبَاءُ، قَالَتِ النِّسَاءُ: هَذِهِ الْأَمْرَاضُ بَارِدَةٌ، وَالسُّكَّرُ الْأَسْمَرُ حَارٌّ فَيَنْفَعُ مِنْهَا، وَالْأُبْلُوجُ بَارِدٌ يُقَوِّيهَا، وَتَبِعَهُنَّ الْأَطِبَّاءُ اسْتِمَالَةً لِقُلُوبِهِنَّ وَلِجَهْلِهِمْ، فَغَلَا الْأَسْمَرُ بِهَذَا السَّبَبِ، وَهَذَا مِنَ الْجَهْلِ الْمُفْرِطِ.
وَمَا زَالَتِ الْأَشْيَاءُ هَكَذَا إِلَى أَوَّلِ الصَّيْفِ، وَاشْتَدَّ الْوَبَاءُ، وَكَثُرَ الْمَوْتُ وَالْمَرَضُ فِي النَّاسِ، فَكَانَ يُحْمَلُ عَلَى النَّعْشِ الْوَاحِدِ عِدَّةٌ مِنَ الْمَوْتَى، فَمِمَّنْ مَاتَ فِيهِ شَيْخُنَا عَبْدُ الْمُحْسِنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَطِيبُ الطُّوسِيُّ، خَطِيبُ الْمَوْصِلِ، وَكَانَ مِنْ صَالِحِي الْمُسْلِمِينَ، وَعُمْرُهُ ثَلَاثٌ وَثَمَانُونَ سَنَةً وَشُهُورًا.
وَفِيهَا انْخَسَفَ الْقَمَرُ لَيْلَةَ الثُّلَاثَاءِ خَامِسَ عَشَرَ صَفَرٍ.
وَفِيهَا هَرَبَ أَمِيرُ حَاجِّ الْعِرَاقِ، وَهُوَ حُسَامُ الدِّينِ أَبُو فِرَاسٍ الْحِلِّيُّ الْكُرْدِيُّ الْوَرَّامِيُّ، وَهُوَ ابْنُ أَخِي الشَّيْخِ وَرَّامٍ، كَانَ عَمُّهُ مِنْ صَالِحِي الْمُسْلِمِينَ وَخِيَارِهِمْ مِنْ