يَحْتَمِلُ فِعْلَهُمْ وَيُدَارِيهِمْ، وَهُمْ لَا يَزْدَادُونَ إِلَّا طَمَعًا وَخُرُوجًا عَنِ الطَّاعَةِ.
وَكَانُوا جَمَاعَةً فَاخْتَلَفُوا، فَقَوِيَ بَعْضُهُمْ، وَهُمْ أَوْلَادُ خَوَاجَهْ إِبْرَاهِيمَ وَأَخُوهُ وَمَنْ مَعَهُمْ عَلَى الْبَاقِينَ، فَأَخْرَجُوهُمْ عَنِ الْقَلْعَةِ، وَغَلَبُوا عَلَيْهَا، وَأَصَرُّوا عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنَ النِّفَاقِ.
فَلَمَّا كَانَ هَذِهِ السَّنَةُ، سَارَ بَدْرُ الدِّينِ إِلَيْهِمْ فِي عَسَاكِرِهِ، فَأَتَاهُمْ بَغْتَةً، فَحَصَرَهُمْ وَضَيَّقَ عَلَيْهِمْ، وَقَطَعَ الْمِيرَةَ عَنْهُمْ، وَأَقَامَ بِنَفْسِهِ عَلَيْهِمْ، وَجَعَلَ قِطْعَةً مِنَ الْجَيْشِ عَلَى قَلْعَةِ هَرُوزَ يَحْصُرُونَهَا، وَهِيَ مِنْ أَمْنَعِ الْحُصُونِ وَأَحْصَنِهَا، لَا يُوجَدُ مِثْلُهَا. وَكَانَ أَهْلُهَا أَيْضًا قَدْ سَلَكُوا طَرِيقَ أَهْلِ الْعِمَادِيَّةِ مِنْ عِصْيَانٍ، وَطَاعَةٍ وَمُخَادِعَةٍ، فَأَتَاهُمُ الْعَسْكَرُ وَحَصَرُوهُمْ وَهُمْ فِي قِلَّةٍ مِنَ الذَّخِيرَةِ، فَحَصَرُوهَا أَيَّامًا، فَفَنِيَ مَا فِي الْقَلْعَةِ، فَاضْطُرَّ أَهْلُهَا إِلَى التَّسْلِيمِ، فَسَلَّمُوهَا وَنَزَلُوا مِنْهَا.
وَعَادَ الْعَسْكَرُ إِلَى الْعِمَادِيَّةِ، فَأَقَامُوا عَلَيْهَا مَعَ بَدْرِ الدِّينِ، فَبَقِيَ بَدْرُ الدِّينِ بَعْدَ أَخْذِ هَرُوزَ يَسِيرًا، وَعَادَ إِلَى الْمَوْصِلِ، وَتَرَكَ الْعَسْكَرَ بِحَالِهِ مَعَ ابْنِهِ أَمِينِ الدِّينِ لُؤْلُؤٍ، فَبَقِيَ الْحِصَارُ إِلَى أَوَّلِ ذِي الْقَعْدَةِ، فَأَرْسَلُوا يُذْعِنُونَ بِالطَّاعَةِ، وَيَطْلُبُونَ الْعِوَضَ عَنْهَا لِيُسَلِّمُوهَا، فَاسْتَقَرَّتِ الْقَوَاعِدُ عَلَى الْعِوَضِ مِنْ قَلْعَةٍ يَحْتَمُونَ فِيهَا، وَأَقْطَاعٍ وَمَالٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَأَجَابَهُمْ بَدْرُ الدِّينِ إِلَى مَا طَلَبُوا، وَحَضَرَ نُوَّابُهُمْ لِيُحَلِّفُوا بَدْرَ الدِّينِ.
فَبَيْنَمَا هُوَ يُرِيدُ أَنْ يَحْلِفَ لَهُمْ وَقَدْ أَحْضَرَ مَنْ يَشْهَدُ الْيَمِينُ، إِذْ قَدْ وَصَلَ طَائِرٌ مِنَ الْعِمَادِيَّةِ وَعَلَى جَنَاحِهِ رُقْعَةٌ مِنْ أَمِينِ الدِّينِ لُؤْلُؤٍ، يُخْبِرُ أَنَّهُ قَدْ مَلَكَ الْعِمَادِيَّةَ قَهْرًا وَعَنْوَةً، وَأَسَرَ بَنِي خَوَاجَهْ الَّذِينَ كَانُوا تَغَلَّبُوا عَلَيْهِ، فَامْتَنَعَ بَدْرُ الدِّينِ مِنَ الْيَمِينِ.
وَأَمَّا سَبَبُ غَلَبَةِ أَمِينِ الدِّينِ عَلَيْهَا، فَإِنَّهُ كَانَ قَدْ وَلَّاهُ بَدْرُ الدِّينِ عَلَيْهَا لَمَّا عَادَ أَهْلُهَا إِلَى طَاعَتِهِ، فَبَقِيَ فِيهَا مُدَّةً، وَأَحْسَنَ فِيهِمْ، وَاسْتَمَالَ جَمَاعَةً مِنْهُمْ لِيَتَقَوَّى بِهِمْ عَلَى الْحَرْبِ لِلَّذِينِ عَصَوْا أَوَّلًا، فَنَمَى الْخَبَرُ إِلَيْهِمْ، فَأَسَاءُوا مُجَاوَرَتَهُ، وَاسْتَقَالُوا مِنْ وِلَايَتِهِ عَلَيْهِمْ، فَفَارَقَهُمْ إِلَى الْمَوْصِلِ.
وَكَانَ أُولَئِكَ الَّذِينَ اسْتَمَالَهُمْ يُكَاتِبُونَهُ وَيُرَاسِلُونَهُ، فَلَمَّا حَصَرَهُمْ كَانُوا أَيْضًا يُكَاتِبُونَهُ فِي النُّشَّابِ يُخْبِرُونَهُ بِكُلِّ مَا يَفْعَلُهُ أَوْلَادُ خَوَاجَهْ مِنْ إِنْفَاذِ رَسُولٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَبِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الذَّخَائِرِ وَغَيْرِهَا، إِلَّا أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مِنَ الْكَثْرَةِ إِلَى حَدِّ أَنَّهُمْ يَقْهَرُونَ أُولَئِكَ.
فَلَمَّا كَانَ الْآنُ وَاسْتَقَرَّتِ الْقَوَاعِدُ مِنَ التَّسْلِيمِ لَمْ يَذْكُرْ أَوْلَادُ خَوَاجَهْ أَحَدًا مِنْ جُنْدِ