خُرَاسَانَ، فَعَلُوا هَذَا وَلَيْسُوا فِي كَثْرَةٍ، كَانُوا نَحْوَ سِتَّةِ آلَافِ فَارِسٍ، وَكَانَ الْخُوَارَزْمِيَّةُ الَّذِينَ انْهَزَمُوا مِنْهُمْ نَحْوَ سِتَّةِ آلَافِ رَاجِلِ، وَعَسْكَرُ أَوْزَبْكَ أَكْثَرُ مِنَ الْجَمِيعِ، وَمَعَ هَذَا فَلَمْ يُحَدِّثْ نَفْسَهُ وَلَا الْخُوَارَزْمِيَّةُ بِالِامْتِنَاعِ مِنْهُمْ.
نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يُيَسِّرَ لِلْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ مَنْ يَقُومُ بِنُصْرَتِهِمْ، فَقَدْ دُفِعُوا إِلَى أَمْرٍ عَظِيمٍ مِنْ قَتْلِ النُّفُوسِ، وَنَهْبِ الْأَمْوَالِ، وَاسْتِرْقَاقِ الْأَوْلَادِ، وَسَبْيِ الْحَرِيمِ وَقَتْلِهِنَّ، وَتَخْرِيبِ الْبِلَادِ.
ذِكْرُ مُلْكِ غِيَاثِ الدِّينِ بِلَادَ فَارِسَ
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ غِيَاثَ الدِّينِ بْنَ خُوَارَزْم شَاهْ مُحَمَّدٍ كَانَ بِالرَّيِّ، وَلَهُ مَعَهَا أَصْفَهَان وَهَمَذَانُ وَمَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْبِلَادِ، وَلَهُ أَيْضًا بِلَادُ كَرْمَانَ، فَلَمَّا هَلَكَ أَبُوهُ، كَمَا ذَكَرْنَاهُ، وَصَلَ التَّتَرُ إِلَى بِلَادِهِ، وَامْتَنَعَ بِأَصْفَهَانَ، وَحَصَرَهُ التَّتَرُ فِيهَا، فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهَا، فَلَمَّا فَارَقَ التَّتَرُ بِلَادَهُ، وَسَارُوا إِلَى بِلَادِ قُفْجَاقَ، عَادَ مَلِكُ الْبِلَادِ وَعَمَّرَ مَا أَمْكَنَهُ مِنْهَا، وَأَقَامَ بِهَا إِلَى أَوَاخِرِ سَنَةِ عِشْرِينَ وَسِتِّمِائَةٍ، وَجَرَى لَهُ مَا ذَكَرْنَاهُ.
فَفِي آخِرِ سَنَةِ عِشْرِينَ وَسِتِّمِائَةٍ سَارَ إِلَى بِلَادِ فَارِسَ فَلَمْ يَشْعُرْ صَاحِبُهَا، وَهُوَ أَتَابِكْ سَعْدُ بْنُ دَكْلَا، إِلَّا وَقَدْ وَصَلَ غِيَاثُ الدِّينِ إِلَى أَطْرَافِ بِلَادِهِ، فَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنَ الِامْتِنَاعِ، فَقَصَدَ قَلْعَةَ إِصْطَخْرَ فَاحْتَمَى بِهَا، وَسَارَ غِيَاثُ الدِّينِ إِلَى مَدِينَةِ شِيرَازَ، وَهِيَ كُرْسِيُّ مَمْلَكَةِ فَارِسَ وَأَكْبَرُهَا وَأَعْظَمُهَا، فَمَلَكَهَا بِغَيْرِ تَعَبٍ أَوَّلَ سَنَةِ إِحْدَى وَعِشْرِينَ وَسِتِّمِائَةٍ، وَبَقِيَ غِيَاثُ الدِّينِ بِهَا، وَاسْتَوْلَى عَلَى أَكْثَرِ الْبِلَادِ، وَلَمْ يَبْقَ بِيَدِ سَعْدٍ إِلَّا الْحُصُونُ الْمَنِيعَةُ.
فَلَمَّا طَالَ الْأَمْرُ عَلَى سَعْدٍ صَالَحَ غِيَاثَ الدِّينِ عَلَى أَنْ يَكُونَ لِسَعْدٍ مِنَ الْبِلَادِ قِسْمٌ اتَّفَقُوا عَلَيْهِ، وَلِغِيَاثٍ الْبَاقِي، وَأَقَامَ غِيَاثُ الدِّينِ بِشِيرَازَ، وَازْدَادَ إِقَامَةً وَعَزْمًا عَلَى ذَلِكَ لَمَّا سَمِعَ أَنَّ التَّتَرَ قَدْ عَادُوا إِلَى الرَّيِّ وَالْبِلَادِ الَّتِي لَهُ وَخَرَّبُوهَا.