وَرَجَعَ قُفْجَاقُ إِلَى جَبَلِ كِيلَكُونَ، فَنَزَلُوا فِيهِ كَمَا كَانُوا.

فَلَمَّا نَزَلُوا أَرَادَ الْأَمِيرُ الْآخَرُ مِنْ أُمَرَاءِ قُفْجَاقَ أَنْ يُؤَثِّرَ فِي الْكَرَجِ مِثْلَ مَا فَعَلَ صَاحِبُهُ، فَسَمِعَ كُوشَخْرَةَ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ يَنْهَاهُ عَنِ الْحَرَكَةِ إِلَى أَنْ يَكْشِفَ لَهُ خَبَرَ الْكَرَجِ، فَلَمْ يَقِفْ، فَسَارَ إِلَى بِلَادِهِمْ فِي طَائِفَتِهِ، وَنَهَبَ وَخَرَّبَ وَأَخَذَ الْغَنَائِمَ، فَسَارَ الْكَرَجُ فِي طَرِيقٍ يَعْرِفُونَهَا وَسَبَقُوهُ، فَلَمَّا وَصَلَ إِلَيْهِمْ قَاتَلُوهُ، وَحَمَلُوا عَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ مَعَهُ عَلَى غِرَّةٍ وَغَفْلَةٍ، فَوَضَعُوا السَّيْفَ فِيهِمْ، وَأَكْثَرُوا الْقَتْلَ فِيهِمْ، وَاسْتَنْقَذُوا الْغَنَائِمَ مِنْهُ، فَعَادَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ عَلَى أَقْبَحِ حَالَةٍ، وَقَصَدُوا بَرْذَعَةَ.

وَأَرْسَلُوا إِلَى كُوشَخْرَةَ يَطْلُبُونَ أَنْ يَحْضُرَ عِنْدَهُمْ هُوَ بِنَفْسِهِ، وَعَسْكَرِهِ لِيَقْصِدُوا الْكَرَجَ فَيَأْخُذُوا بِثَأْرِهِمْ مِنْهُمْ، فَلَمْ يَفْعَلْ، وَأَخَافَهُمْ، وَقَالَ: أَنْتُمْ خَالَفْتُمُونِي، وَعَمِلْتُمْ بِرَأْيِكُمْ، فَلَا أُنْجِدُكُمْ بِفَارِسٍ وَاحِدٍ ; فَأَرْسَلُوا يَطْلُبُونَ الرَّهَائِنَ الَّذِينَ لَهُمْ، فَلَمْ يُعْطِهِمْ، فَاجْتَمَعُوا وَأَخَذُوا كَثِيرًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ عِوَضًا مِنَ الرَّهَائِنِ، فَثَارَ بِهِمُ الْمُسْلِمُونَ مِنْ أَهْلِ الْبِلَادِ، وَقَاتَلُوهُمْ، فَقَتَلُوا مِنْهُمْ جَمَاعَةً كَثِيرَةً، فَخَافُوا، وَسَارُوا نَحْوِ شِرْوَانَ، وَجَازُوا إِلَى بَلَدِ اللِّكْزِ، فَطَمِعَ النَّاسُ فِيهِمْ ; الْمُسْلِمُونَ وَالْكَرَجُ وَاللِّكْزُ وَغَيْرُهُمْ، فَأَفْنَوْهُمْ قَتْلًا وَنَهْبًا وَأَسْرًا وَسَبْيًا، بِحَيْثُ إِنَّ الْمَمْلُوكَ مِنْهُمْ كَانَ يُبَاعُ فِي دَرْبَنْدَ شِرْوَانَ بِالثَّمَنِ الْبَخْسِ.

ذِكْرُ نَهْبِ الْكَرَجِ بَيْلَقَانَ

فِي هَذِهِ السَّنَةِ، فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، سَارَ الْكَرَجُ مِنْ بِلَادِهِمْ إِلَى بِلَادِ أَرَّانَ وَقَصَدُوا مَدِينَةَ بَيْلَقَانَ، وَكَانَ التَّتَرُ قَدْ خَرَّبُوهَا، وَنَهَبُوهَا كَمَا ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ، فَلَمَّا سَارَ التَّتَرُ إِلَى بِلَادِ قُفْجَاقَ عَادَ مَنْ سَلِمَ مِنْ أَهْلِهَا إِلَيْهَا، وَعَمَّرُوا مَا أَمْكَنَهُمْ عِمَارَتَهُ مِنْ سُورِهَا.

فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ أَتَاهُمُ الْكَرَجُ وَدَخَلُوا الْبَلَدَ وَمَلَكُوهُ. وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ فِي تِلْكَ الْبِلَادِ أَلِفُوا مِنَ الْكَرَجِ، أَنَّهُمْ إِذَا ظَفِرُوا بِبَلَدٍ صَانَعُوهُ بِشَيْءٍ مِنَ الْمَالِ فَيَعُودُونَ عَنْهُمْ، فَكَانُوا أَحْسَنَ الْأَعْدَاءِ مَقْدِرَةً، فَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الدُّفْعَةُ ظَنَّ الْمُسْلِمُونَ أَنَّهُمْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015