الْكَثِيرَ، وَلَمْ يَسْلَمْ إِلَّا الْقَلِيلُ، وَنُهِبَتْ أَمْوَالُهُمْ، وَسِلَاحُهُمْ، وَدَوَابُّهُمْ، وَأَرْسَلَ التَّتَرُ إِلَى مَا حَوْلَهُمْ مِنَ الْبِلَادِ يَجْمَعُونَ الرِّجَالَ لِحِصَارِ مَرْوَ، فَلَمَّا اجْتَمَعَ لَهُمْ مَا أَرَادُوا تَقَدَّمُوا إِلَى مَرْوَ وَحَصَرُوهَا، وَجَدُّوا فِي حَصْرِهَا، وَلَازَمُوا الْقِتَالَ
وَكَانَ أَهْلُ الْبَلَدِ قَدْ ضَعُفُوا بِانْهِزَامِ ذَلِكَ الْعَسْكَرِ، وَكَثْرَةِ الْقَتْلِ وَالْأَسْرِ فِيهِمْ، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الْخَامِسُ مِنْ نُزُولِهِمْ أَرْسَلَ التَّتَرُ إِلَى الْأَمِيرِ الَّذِي بِهَا مُتَقَدِّمًا عَلَى مَنْ فِيهَا يَقُولُونَ لَهُ: لَا تُهْلِكْ نَفْسَكَ وَأَهْلَ الْبَلَدِ، وَاخْرُجْ إِلَيْنَا فَنَحْنُ نَجْعَلُكَ أَمِيرَ هَذِهِ الْبَلْدَةِ وَنَرْحَلُ عَنْكَ. فَأَرْسَلَ يَطْلُبُ الْأَمَانَ لِنَفْسِهِ وَلِأَهْلِ الْبَلَدِ، فَأَمَّنَهُمْ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ، فَخَلَعَ عَلَيْهِ ابْنُ جِنْكِزْخَانْ، وَاحْتَرَمَهُ، وَقَالَ لَهُ: أُرِيدُ أَنْ تَعْرِضَ عَلَيَّ أَصْحَابَكَ حَتَّى نَنْظُرَ مَنْ يَصْلُحُ لِخِدْمَتِنَا اسْتَخْدَمْنَاهُ، وَأَعْطَيْنَاهُ إِقْطَاعًا، وَيَكُونُ مَعَنَا.
فَلَمَّا حَضَرُوا عِنْدَهُ، وَتَمَكَّنَ مِنْهُمْ، قَبَضَ عَلَيْهِمْ وَعَلَى أَمِيرِهِمْ، وَكَتَّفُوهُمْ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهُمْ قَالَ لَهُمْ: اكْتُبُوا إِلَى تُجَّارِ الْبَلَدِ وَرُؤَسَائِهِ، وَأَرْبَابِ الْأَمْوَالِ فِي جَرِيدَةٍ، وَاكْتُبُوا إِلَى أَرْبَابِ الصِّنَاعَاتِ وَالْحِرَفِ فِي نُسْخَةٍ أُخْرَى، وَاعْرِضُوا ذَلِكَ عَلَيْنَا فَفَعَلُوا مَا أَمَرَهُمْ، فَلَمَّا وَقَفَ عَلَى النُّسَخِ أَمَرَ أَنْ يَخْرُجَ أَهْلُ الْبَلَدِ مِنْهُ بِأَهْلِيهِمْ، فَخَرَجُوا كُلُّهُمْ، وَلَمْ يَبْقَ فِيهِ أَحَدٌ، فَجَلَسَ عَلَى كُرْسِيٍّ مِنْ ذَهَبٍ وَأَمَرَ أَنْ يُحْضَرَ أُولَئِكَ الْأَجْنَادُ الَّذِينَ قَبَضَ عَلَيْهِمْ، فَأُحْضِرُوا، وَضُرِبَتْ رِقَابُهُمْ صَبْرًا وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِمْ وَيَبْكُونَ.
وَأَمَّا الْعَامَّةُ فَإِنَّهُمْ قَسَّمُوا الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ وَالْأَطْفَالَ وَالْأَمْوَالَ، فَكَانَ يَوْمًا مَشْهُودًا مِنْ كَثْرَةِ الصُّرَاخِ وَالْبُكَاءِ وَالْعَوِيلِ، أَخَذُوا أَرْبَابَ الْأَمْوَالِ فَضَرَبُوهُمْ، وَعَذَّبُوهُمْ بِأَنْوَاعِ الْعُقُوبَاتِ فِي طَلَبِ الْأَمْوَالِ، فَرُبَّمَا مَاتَ أَحَدُهُمْ مِنْ شِدَّةِ الضَّرْبِ، وَلَمْ يَكُنْ بَقِيَ لَهُ مَا يَفْتَدِي بِهِ نَفْسَهُ، ثُمَّ إِنَّهُمْ أَحْرَقُوا الْبَلَدَ، وَأَحْرَقُوا تُرْبَةَ السُّلْطَانِ سَنْجَرَ، وَنَبَشُوا الْقَبْرَ طَلَبًا لِلْمَالِ، فَبَقُوا كَذَلِكَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الرَّابِعُ أَمَرَ بِقَتْلِ أَهْلِ الْبَلَدِ كَافَّةً، وَقَالَ: هَؤُلَاءِ عَصَوْا عَلَيْنَا، فَقَتَلُوهُمْ أَجْمَعِينَ ; وَأَمَرَ بِإِحْصَاءِ الْقَتْلَى، فَكَانُوا نَحْوَ سَبْعُمِائَةِ أَلْفِ قَتِيلٍ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ مِمَّا جَرَى عَلَى الْمُسْلِمِينَ ذَلِكَ الْيَوْمَ.