مِنْهُمْ إِلَّا الْقَلِيلُ، وَنُهِبَ جَمِيعُ مَا مَعَهُمْ، وَمَنْ سَلِمَ وَصَلَ إِلَى الْبِلَادِ عَلَى أَقْبَحِ صُورَةٍ لِبُعْدِ الطَّرِيقِ وَالْهَزِيمَةِ، وَتَبِعَهُمُ التَّتَرُ يَقْتُلُونَ وَيَنْهَبُونَ وَيُخَرِّبُونَ الْبِلَادَ حَتَّى خَلَا أَكْثَرُهَا، فَاجْتَمَعَ كَثِيرٌ مِنْ أَعْيَانِ تُجَّارِ الرُّوسِ وَأَغْنِيَائِهِمْ، وَحَمَلُوا مَا يَعِزُّ عَلَيْهِمْ وَسَارُوا يَقْطَعُونَ الْبَحْرَ إِلَى بِلَادِ الْإِسْلَامِ فِي عِدَّةِ مَرَاكِبَ، فَلَمَّا قَارَبُوا الْمَرْسَى الَّذِي يُرِيدُونَهُ انْكَسَرَ مَرْكَبٌ مِنْ مَرَاكِبِهِمْ فَغَرِقَ إِلَّا أَنَّ النَّاسَ نَجَوْا وَكَانَتِ الْعَادَةُ جَارِيَةً أَنَّ السُّلْطَانَ لَهُ كُلُّ مَرْكَبٍ يَنْكَسِرُ، فَأَخَذَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا كَثِيرًا وَسَلِمَ بَاقِي الْمَرَاكِبِ وَأَخْبَرَ مَنْ بِهَا بِهَذِهِ الْحَالِ
ذِكْرُ عَوْدِ التَّتَرِ مِنْ بِلَادِ الرُّوسِ وَقُفْجَاقَ إِلَى مَلِكِهِمْ
لَمَّا فَعَلَ التَّتَرُ بِالرُّوسِ مَا ذَكَرْنَاهُ وَنَهَبُوا بِلَادَهُمْ عَادُوا عَنْهَا وَقَصَدُوا بِلْغَارَ أَوَاخِرَ سَنَةِ عِشْرِينَ وَسِتِّمِائَةٍ، فَلَمَّا سَمِعَ أَهْلُ بِلْغَارَ بِقُرْبِهِمْ مِنْهُمْ كَمَنُوا لَهُمْ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ، وَخَرَجُوا إِلَيْهِمْ، فَلَقُوهُمْ وَاسْتَجَرُّوهُمْ إِلَى أَنْ جَاوَزُوا مَوْضِعَ الْكُمَنَاءِ، فَخَرَجُوا عَلَيْهِمْ مِنْ وَرَاءِ ظُهُورِهِمْ فَبَقُوا فِي الْوَسَطِ وَأَخَذَهُمُ السَّيْفُ مِنْ نَاحِيَةٍ فَقُتِلَ أَكْثَرُهُمْ وَلَمْ يَنْجُ مِنْهُمْ إِلَّا الْقَلِيلُ قِيلَ: كَانُوا نَحْوَ أَرْبَعَةِ آلَافِ رَجُلٍ فَسَارُوا إِلَى سَقْسِينَ عَائِدِينَ إِلَى مَلِكِهِمْ جِنْكِزْخَانْ، وَخَلَتْ أَرْضُ قُفْجَاقَ مِنْهُمْ فَعَادَ مَنْ سَلِمَ مِنْهُمْ إِلَى بِلَادِهِمْ، وَكَانَ الطَّرِيقُ مُنْقَطِعًا مُذْ دَخَلَهَا التَّتَرُ، فَلَمْ يَصِلْ مِنْهُمْ شَيْءٌ مِنَ الْبَرْطَاسِي وَالسِّنْجَابِ وَالْقُنْدُزِ وَغَيْرِهَا مِمَّا يُحْمَلُ مِنْ تِلْكَ الْبِلَادِ، فَلَمَّا فَارَقُوهَا عَادُوا إِلَى بِلَادِهِمْ، وَاتَّصَلَتِ الطَّرِيقُ وَحُمِلَتِ الْأَمْتِعَةُ كَمَا كَانَتْ.