أَعْجَزُ خَلْقِ اللَّهِ عَنْ حِفْظِ الْبِلَادِ مِنْ عَدُوٍّ يُرِيدُهَا وَيَقْصِدُهَا.

فَلَمَّا سَمِعَ بِمَسِيرِ التَّتَرِ مِنْ هَمَذَانَ فَارَقَ هُوَ تِبْرِيزَ وَقَصَدَ نَقْجُوَانَ، وَسَيَّرَ أَهْلَهُ وَنِسَاءَهُ إِلَى خُوَيٍّ لِيَبْعُدَ عَنْهُمْ، فَقَامَ هَذَا الطُّغْرَائِيُّ بِأَمْرِ الْبَلَدِ، وَجَمَعَ الْكَلِمَةَ، وَقَوَّى نُفُوسَ النَّاسِ عَلَى الِامْتِنَاعِ، وَحَذَّرَهُمْ عَاقِبَةَ التَّخَاذُلِ وَالتَّوَانِي، وَحَصَّنَ الْبَلَدَ بِجُهْدِهِ وَطَاقَتِهِ، فَلَمَّا قَارَبَهُ التَّتَرُ، وَسَمِعُوا بِمَا أَهْلُ الْبَلَدِ عَلَيْهِ مِنِ اجْتِمَاعِ الْكَلِمَةِ عَلَى قِتَالِهِمْ، وَأَنَّهُمْ قَدْ حَصَّنُوا الْمَدِينَةَ، وَأَصْلَحُوا أَسْوَارَهَا وَخَنْدَقَهَا، أَرْسَلُوا يَطْلُبُونَ مِنْهُمْ مَالًا وَثِيَابًا، فَاسْتَقَرَّ الْأَمْرُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرٍ مَعْلُومٍ مِنْ ذَلِكَ، فَسَيَّرُوهُ إِلَيْهِمْ، فَأَخَذُوهُ وَرَحَلُوا إِلَى مَدِينَةِ سَرَاوَ فَنَهَبُوهَا، وَقَتَلُوا كُلَّ مَنْ فِيهَا.

وَرَحَلُوا مِنْهَا إِلَى بَيْلَقَانَ، مِنْ بِلَادِ أَرَّانَ، فَنَهَبُوا كُلَّ مَا مَرُّوا بِهِ مِنَ الْبِلَادِ وَالْقُرَى، وَخَرَّبُوا، وَقَتَلُوا مَنْ ظَفِرُوا بِهِ مِنْ أَهْلِهَا، فَلَمَّا وَصَلُوا إِلَى بَيْلَقَانَ حَصَرُوهَا، فَاسْتَدْعَى أَهْلُهَا مِنْهُمْ رَسُولًا يُقِرُّونَ مَعَهُ الصُّلْحَ، فَأَرْسَلُوا إِلَيْهِمْ رَسُولًا مِنْ أَكَابِرِهِمْ وَمُقَدَّمِيهِمْ، فَقَتَلَهُ أَهْلُ الْبَلَدِ، فَزَحَفَ التَّتَرُ إِلَيْهِمْ وَقَاتَلُوهُمْ، ثُمَّ إِنَّهُمْ مَلَكُوا الْبَلَدَ عَنْوَةً فِي شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ وَسِتِّمِائَةٍ وَوَضَعُوا فِيهِمُ السَّيْفَ، فَلَمْ يُبْقُوا عَلَى صَغِيرٍ وَلَا كَبِيرٍ، وَلَا امْرَأَةٍ، حَتَّى إِنَّهُمْ كَانُوا يَشُقُّونَ بُطُونَ الْحَبَالَى، وَيَقْتُلُونَ الْأَجِنَّةَ، وَكَانُوا يَفْجُرُونَ بِالْمَرْأَةِ ثُمَّ يَقْتُلُونَهَا، وَكَانَ الْإِنْسَانُ مِنْهُمْ يَدْخُلُ الدَّرْبَ فِيهِ الْجَمَاعَةُ، فَيَقْتُلُهُمْ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ حَتَّى يَفْرَغَ مِنَ الْجَمِيعِ لَا يَمُدُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ إِلَيْهِ يَدًا.

فَلَمَّا فَرَغُوا مِنْهَا اسْتَقْصَوْا مَا حَوْلَهَا بِالنَّهْبِ وَالتَّخْرِيبِ، وَسَارُوا إِلَى مَدِينَةِ كَنْجَةَ، وَهِيَ أُمُّ بِلَادِ أَرَّانَ، فَعَلِمُوا بِكَثْرَةِ أَهْلِهَا وَشَجَاعَتِهِمْ لِكَثْرَةِ ذُرِّيَّتِهِمْ بِقِتَالِ الْكَرَجِ، وَحَصَانَتِهَا، فَلَمْ يُقْدِمُوا عَلَيْهَا، فَأَرْسَلُوا إِلَى أَهْلِهَا يَطْلُبُونَ مِنْهُمُ الْمَالَ وَالثِّيَابَ، فَحَمَلُوا إِلَيْهِمْ مَا طَلَبُوا، فَسَارُوا عَنْهُمْ.

ذِكْرُ قَصْدِ التَّتَرِ بِلَادَ الْكَرَجِ

لَمَّا فَرَغَ التَّتَرُ مِنْ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ بِأَذْرَبِيجَانَ وَأَرَّانَ، بَعْضِهِ بِالْمُلْكِ، وَبَعْضِهِ بِالصُّلْحِ، سَارُوا إِلَى بِلَادِ الْكَرَجِ مِنْ هَذِهِ الْأَعْمَالِ أَيْضًا، وَكَانَ الْكَرَجُ قَدْ أَعَدُّوا لَهُمْ، وَاسْتَعَدُّوا، وَسَيَّرُوا جَيْشًا كَثِيرًا إِلَى طَرَفِ بِلَادِهِمْ لِيَمْنَعُوا التَّتَرَ عَنْهَا، فَوَصَلَ إِلَيْهِمُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015