وَاتَّفَقُوا اتِّفَاقًا حَسَنًا لَمْ يَجْرِ بَيْنَهُمْ مِنَ الِاخْتِلَافِ مَا جَرَتِ الْعَادَةُ أَنْ يَجْرِيَ بَيْنَ أَوْلَادِ الْمُلُوكِ بَعْدَ آبَاءِهِمْ، بَلْ كَانُوا كَالنَّفْسِ الْوَاحِدَةِ، كُلٌّ مِنْهُمْ يَثِقُ بِالْآخَرِ بِحَيْثُ يَحْضُرُ عِنْدَهُ مُنْفَرِدًا مِنْ عَسْكَرِهِ وَلَا يَخَافُهُ، فَلَا جَرَمَ زَادَ مُلْكُهُمْ، وَرَأَوْا مِنْ نَفَاذِ الْأَمْرِ وَالْحُكْمِ مَا لَمْ يَرَهُ أَبُوهُمْ.

وَلَعَمْرِي إِنَّهُمْ نِعْمَ الْمُلُوكُ، فِيهِمُ الْحِلْمُ، وَالْجِهَادُ، وَالذَّبُّ عَنِ الْإِسْلَامِ، وَفِي نَوْبَةِ دِمْيَاطَ كِفَايَةٌ، وَأَمَّا الْمَلِكُ الْأَشْرَفُ فَلَيْسَ لِلْمَالِ عِنْدَهُ مَحَلٌّ، بَلْ يُمْطِرُهُ مَطَرًا كَثِيرًا لِعِفَّتِهِ عَنْ أَمْوَالِ الرَّعِيَّةِ، دَائِمُ الْإِحْسَانِ، لَا يَسْمَعُ سِعَايَةَ سَاعٍ.

ذِكْرُ عِدَّةِ حَوَادِثَ

فِي هَذِهِ السَّنَةِ، فِي ذِي الْقَعْدَةِ، رَحَلَ الْمَلِكُ الْكَامِلُ بْنُ الْعَادِلِ عَنْ أَرْضِ دِمْيَاطَ، لِأَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ جَمَاعَةً مِنَ الْأُمَرَاءِ قَدْ اجْتَمَعُوا عَلَى تَمْلِيكِ أَخِيهِ الْفَائِزِ عِوَضَهُ، فَخَافَهُمْ، فَفَارَقَ مَنْزِلَتَهُ، فَانْتَقَلَ الْفِرِنْجُ إِلَيْهَا، وَحَصَرُوا حِينَئِذٍ دِمْيَاطَ بَرًّا وَبَحْرًا، وَتَمَكَّنُوا مِنْ ذَلِكَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مُسْتَقْصًى سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَسِتِّمِائَةٍ.

[الْوَفَيَاتُ]

وَفِيهَا فِي الْمُحَرَّمِ، تُوُفِّيَ شَرَفُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ عُلْوَانَ بْنِ مُهَاجِرٍ، الْفَقِيهُ الشَّافِعِيُّ، وَكَانَ مُدَرِّسًا فِي عِدَّةِ مَدَارِسَ بِالْمَوْصِلِ، وَكَانَ صَالِحًا كَثِيرَ الْخَيْرِ وَالدِّينِ سَلِيمَ الْقَلْبِ، رَحِمَهُ اللَّهُ.

وَفِيهَا تُوُفِّيَ عِزُّ الدِّينِ نَجَاحٌ الشَّرَابِيُّ خَاصُّ الْخَلِيفَةِ، وَأَقْرَبُ النَّاسِ إِلَيْهِ، وَكَانَ الْحَاكِمَ فِي دَوْلَتِهِ، كَثِيرَ الْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَالْمَعْرُوفِ وَالْعَصَبِيَّةِ لِلنَّاسِ، وَأَمَّا عَقْلُهُ وَتَدْبِيرُهُ فَإِلَيْهِ كَانَتِ النِّهَايَةُ وَبِهِ يُضْرَبُ الْمَثَلُ.

وَفِيهَا تُوُفِّيَ عَلِيُّ بْنُ نَصْرِ بْنِ هَارُونَ أَبُو الْحَسَنِ الْحِلِّيُّ، النَّحْوِيُّ، الْمُلَقَّبُ بِالْحُجَّةِ، قَرَأَ عَلَى ابْنِ الْخَشَّابِ وَغَيْرِهِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015