فَبَلَغَ الْخَبَرُ إِلَى ابْنِ لِيُونَ، فَجَدَّ، فَوَافَاهُ وَهُوَ مُخِفٌّ مِنَ الْعَسْكَرِ فَقَاتَلَهُ، وَاشْتَدَّ الْقِتَالُ بَيْنَهُمْ. فَأَرْسَلَ مَيْمُونٌ إِلَى الظَّاهِرِ يُعْلِمُهُ، وَكَانَ بَعِيدًا عَنْهُ، فَطَالَتِ الْحَرْبُ بَيْنَهُمْ، وَحَمَى مَيْمُونٌ نَفْسَهُ وَأَثْقَالَهُ عَلَى قِلَّةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَكَثْرَةٍ مِنَ الْأَرْمَنِ، فَانْهَزَمَ الْمُسْلِمُونَ، وَنَالَ الْعَدُوُّ مِنْهُمْ، فَقَتَلَ وَأَسَرَ، وَكَذَلِكَ أَيْضًا فَعَلَ الْمُسْلِمُونَ بِالْأَرْمَنِ مِنْ كَثْرَةِ الْقَتْلِ.
وَظَفِرَ الْأَرْمَنُ بِأَثْقَالِ الْمُسْلِمِينَ فَغَنِمُوهَا وَسَارُوا بِهَا، فَصَادَفَهُمُ الْمُسْلِمُونَ الَّذِينَ كَانُوا قَدْ سَارُوا مَعَ الذَّخَائِرِ (إِلَى دِرِبْسَاكَ) ، فَلَمْ يَشْعُرُوا بِالْحَالِ، فَلَمْ يَرُعْهُمْ إِلَّا الْعَدُوُّ قَدْ خَالَطَهُمْ وَوَضَعَ السَّيْفَ فِيهِمْ، فَاقْتَتَلُوا أَشَدَّ قِتَالٍ، ثُمَّ انْهَزَمَ الْمُسْلِمُونَ أَيْضًا، وَعَادَ الْأَرْمَنُ إِلَى بِلَادِهِمْ بِمَا غَنِمُوا وَاعْتَصَمُوا بِجِبَالِهِمْ وَحُصُونِهِمْ.
ذِكْرُ نَهْبِ الْكُرْجِ أَرْمِينِيَّةَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ قَصَدَتِ الْكُرْجُ فِي جُمُوعِهَا وِلَايَةَ خِلَاطَ مِنْ أَرْمِينِيَّةَ، وَنَهَبُوا وَقَتَلُوا، وَأَسَرُوا وَسَبَوْا أَهْلَهَا كَثِيرًا وَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ آمِنِينَ، وَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ مِنْ خِلَاطَ مَنْ يَمْنَعُهُمْ، فَبَقَوْا مُتَصَرِّفِينَ فِي النَّهْبِ وَالسَّبْيِ، وَالْبِلَادُ شَاغِرَةٌ لَا مَانِعَ لَهَا، لِأَنَّ صَاحِبَهَا صَبِيٌّ، وَالْمُدَبِّرَ لِدَوْلَتِهِ لَيْسَتْ لَهُ تِلْكَ الطَّاعَةُ عَلَى الْجُنْدِ.
فَلَمَّا اشْتَدَّ الْبَلَاءُ عَلَى النَّاسِ تَذَامَرُوا، وَحَرَّضَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَاجْتَمَعَتِ الْعَسَاكِرُ الْإِسْلَامِيَّةُ الَّتِي بِتِلْكَ الْوِلَايَةِ جَمِيعِهَا، وَانْضَافَ إِلَيْهِمْ مِنَ الْمُتَطَوِّعَةِ كَثِيرٌ، فَسَارُوا جَمِيعُهُمْ نَحْوَ الْكُرْجِ وَهُمْ خَائِفُونَ، فَرَأَى بَعْضُ الصُّوفِيَّةِ الْأَخْيَارِ الشَّيْخَ مُحَمَّدًا الْبُسْتِيَّ، وَهُوَ مِنَ الصَّالِحِينَ، وَكَانَ قَدْ مَاتَ، فَقَالَ لَهُ الصُّوفِيُّ: أَرَاكَ هَاهُنَا؟ فَقَالَ: جِئْتُ لِمُسَاعَدَةِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى عَدُوِّهِمْ. فَاسْتَيْقَظَ فَرِحًا بِمَحَلِّ الْبُسْتِيِّ مِنَ الْإِسْلَامِ،