الْغُورِيَّةِ الَّذِينَ أَنْعَمَ عَلَيْكُمْ وَالِدُ هَذَا السُّلْطَانِ وَرَبَّاكُمْ وَأَحْسَنَ إِلَيْكُمْ كَفَرْتُمُ الْإِحْسَانَ، وَجِئْتُمْ تُقَاتِلُونَ وَلَدَهُ، أَهَذَا فِعْلُ الْأَحْرَارِ؟ فَقَالَ مُحَمَّدٌ الْمَرْغَنِيُّ - وَهُوَ مُقَدَّمُ الْعَسْكَرِ الَّذِينَ يَصْدُرُونَ عَنْ رَأْيِهِ -: لَا وَاللَّهِ! ثُمَّ تَرَجَّلَ عَنْ فَرَسِهِ، وَأَلْقَى سِلَاحَهُ، وَقَصَدَ غِيَاثَ الدِّينِ، وَقَبَّلَ الْأَرْضَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَبَكَى بِصَوْتٍ عَالٍ، وَفَعَلَ سَائِرُ الْأُمَرَاءِ كَذَلِكَ، فَانْهَزَمَ أَصْحَابُ عَلَاءِ الدِّينِ مَعَ وَلَدِهِ.

فَلَمَّا بَلَغَهُ الْخَبَرُ خَرَجَ عَنْ فَيْرُوزَكُوه هَارِبًا نَحْوَ الْغَوْرِ، وَهُوَ يَقُولُ: أَنَا أَمْشِي أُجَاوِرُ بِمَكَّةَ فَأَنْفَذَ غِيَاثُ الدِّينِ خَلْفَهُ مَنْ رَدَّهُ إِلَيْهِ، فَأَخَذَهُ وَحَبَسَهُ، وَمَلَكَ فَيْرُوزَكُوه، وَفَرِحَ بِهِ أَهْلُ الْبَلَدِ، وَقَبَضَ غِيَاثُ الدِّينِ عَلَى جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ عَلَاءِ الدِّينِ الْكَرَّامِيَّةِ، وَقَتَلَ بَعْضَهُمْ.

وَلَمَّا دَخَلَ غِيَاثُ الدِّينِ فَيْرُوزَكُوه ابْتَدَأَ بِالْجَامِعِ فَصَلَّى فِيهِ، ثُمَّ رَكِبَ إِلَى دَارِ أَبِيهِ فَسَكَنَهَا، وَأَعَادَ رُسُومَ أَبِيهِ، وَاسْتَخْدَمَ حَاشِيَتَهُ، وَقَدِمَ عَلَيْهِ عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكَيْرَانِيُّ وَزِيرُ أَبِيهِ، وَاسْتَوْزَرَهُ، وَسَلَكَ طَرِيقَ أَبِيهِ فِي الْإِحْسَانِ وَالْعَدْلِ.

وَلَمَّا فَرَغَ غِيَاثُ الدِّينِ مِنْ عَلَاءِ الدِّينِ لَمْ يَكُنْ لَهُ هِمَّةٌ إِلَّا ابْنَ خَرْمِيلَ بِهَرَاةَ وَاجْتِذَابَهُ إِلَى طَاعَتِهِ، فَكَاتَبَهُ وَرَاسَلَهُ وَاتَّخَذَهُ أَبًا، وَاسْتَدْعَاهُ إِلَيْهِ.

وَكَانَ ابْنُ خَرْمِيلَ قَدْ بَلَغَهُ مَوْتُ شِهَابِ الدِّينِ ثَامِنَ رَمَضَانَ، فَجَمَعَ أَعْيَانَ النَّاسِ مِنْهُمْ: قَاضِي هَرَاةَ صَاعِدُ بْنُ الْفَضْلِ السَّيَّارِيُّ، وَعَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْخَلَّاقِ بْنِ زِيَادٍ مُدَرِّسُ النِّظَامِيَّةِ بِهَرَاةَ، وَشَيْخُ الْإِسْلَامِ رَئِيسُ هَرَاةَ، وَنَقِيبُ الْعَلَوِيِّينَ وَمُقَدَّمِي الْمَحَالِّ، وَقَالَ لَهُمْ: قَدْ بَلَغَنِي وَفَاةُ السُّلْطَانِ شِهَابِ الدِّينِ وَأَنَا فِي نَحْرِ خُوَارِزْمَ شَاهْ، وَأَخَافُ الْحِصَارَ، وَأُرِيدُ أَنْ تَحْلِفُوا لِي عَلَى الْمُسَاعَدَةِ عَلَى كُلِّ مَنْ نَازَعَنِي. فَأَجَابَهُ الْقَاضِي وَابْنُ زِيَادٍ: إِنَّنَا نَحْلِفُ عَلَى كُلِّ النَّاسِ إِلَّا وَلَدَ غِيَاثِ الدِّينِ، فَلَمَّا وَصَلَ كِتَابُ غِيَاثِ الدِّينِ خَافَ مَيْلَ النَّاسِ إِلَيْهِ، فَغَالَطَهُ فِي الْجَوَابِ.

وَكَانَ ابْنُ خَرْمِيلَ قَدْ كَاتَبَ خُوَارِزْمَ شَاهْ يَطْلُبُ مِنْهُ أَنْ يُرْسِلَ إِلَيْهِ عَسْكَرًا لِيَصِيرَ فِي طَاعَتِهِ وَيَمْتَنِعَ بِهِ عَلَى الْغُورِيَّةِ، فَطَلَبَ مِنْهُ خُوَارِزْمُ شَاهْ إِنْفَاذَ وَلَدِهِ رَهِينَةً، وَيُرْسِلُ إِلَيْهِ عَسْكَرًا، فَسَيَّرَ وَلَدَهُ إِلَى خُوَارِزْمَ شَاهْ، فَكَتَبَ خُوَارِزْمُ شَاهْ إِلَى عَسْكَرِهِ الَّذِينَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015