601 -
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ إِحْدَى وَسِتِّمِائَةٍ
ذِكْرُ مُلْكِ كَيْخَسْرُو بْنِ قِلْج أَرْسِلَانْ بِلَادَ الرُّومِ مِنِ ابْنِ أَخِيهِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ، فِي رَجَبٍ، مَلَكَ غِيَاثُ الدِّينِ كَيْخَسْرُو بْنُ قِلْج أَرْسِلَانَ بِلَادَ الرُّومِ الَّتِي كَانَتْ بِيَدِ أَخِيهِ رُكْنِ الدِّينِ سُلَيْمَانَ وَانْتَقَلَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ إِلَى ابْنِهِ قِلْج أَرْسِلَانْ بْنِ رُكْنِ الدِّينِ.
وَكَانَ سَبَبُ مُلْكِ غِيَاثِ الدِّينِ لَهَا أَنَّ رُكْنَ الدِّينِ كَانَ قَدْ أَخَذَ مَا كَانَ لِأَخِيهِ غِيَاثِ الدِّينِ وَهُوَ مَدِينَةُ قُونِيَةَ، فَهَرَبَ غِيَاثُ الدِّينِ مِنْهُ وَقَصَدَ الشَّامَ إِلَى الْمَلِكِ الظَّاهِرِ غَازِي بْنِ صَلَاحِ الدِّينِ صَاحِبِ حَلَبَ، فَلَمْ يَجِدْ عِنْدَهُ قَبُولًا، وَقَصَّرَ بِهِ، فَسَارَ مِنْ عِنْدِهِ، وَتَقَلَّبَ فِي الْبِلَادِ إِلَى أَنْ وَصَلَ إِلَى الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ، فَأَحْسَنَ إِلَيْهِ مِلْكُ الرُّومِ وَأَقْطَعَهُ وَأَكْرَمَهُ، فَأَقَامَ عِنْدَهُ، وَتَزَوَّجَ بِابْنَةِ بَعْضِ الْبَطَارِقَةِ الْكِبَارِ.
وَكَانَ لِهَذَا الْبِطْرِيقِ قَلْعَةٌ مِنْ عَمَلِ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ، فَلَمَّا مَلَكَ الْفِرِنْجُ الْقُسْطَنْطِينِيَّةَ، هَرَبَ غِيَاثُ الدِّينِ إِلَى حَمِيِّهِ، وَهُوَ بِقَلْعَتِهِ، فَأَنْزَلَهُ عِنْدَهُ وَقَالَ لَهُ: نَشْتَرِكُ فِي هَذِهِ الْقَلْعَةِ، وَنَقْنَعُ بِدَخْلِهَا. فَأَقَامَ عِنْدَهُ، فَلَمَّا مَاتَ أَخُوهُ سَنَةَ سِتِّمِائَةٍ - كَمَا ذَكَرْنَاهُ - اجْتَمَعَ الْأُمَرَاءُ عَلَى وَلَدِهِ، وَخَالَفَهُمُ الْأَتْرَاكُ الْأَوْجُ، وَهُمْ كَثِيرٌ بِتِلْكَ الْبِلَادِ، وَأَنِفَ مِنَ اتِّبَاعِهِمْ، وَأَرْسَلَ إِلَى غِيَاثِ الدِّينِ يَسْتَدْعِيهِ إِلَيْهِ لِيُمَلِّكَهُ الْبِلَادَ، فَسَارَ إِلَيْهِ، فَوَصَلَ فِي جُمَادَى الْأُولَى، وَاجْتَمَعَ بِهِ وَكَثُرَ جَمْعُهُ، وَقَصَدَ مَدِينَةَ قُونِيَةَ لِيَحْصُرَهَا، وَكَانَ وَلَدُ رُكْنِ الدِّينِ وَالْعَسَاكُرُ بِهَا، فَأَخْرَجُوا إِلَيْهِ طَائِفَةً مِنَ الْعَسْكَرِ، فَلَقَوْهُ فَهَزَمُوهُ، فَبَقِيَ حَيْرَانَ لَا يَدْرِي أَيْنَ يَتَوَجَّهُ، فَقَصَدَ بَلْدَةً صَغِيرَةً يُقَالُ لَهَا أُوكَرْمَ بِالْقُرْبِ مِنْ قُونِيَةَ.