كَرَّامِيَّةٌ، وَكَرِهُوهُ، وَكَانَ أَشَدَّ النَّاسِ عَلَيْهِ الْمَلِكُ ضِيَاءُ الدِّينِ، وَهُوَ عَمُّ غِيَاثِ الدِّينِ، وَزَوْجُ ابْنَتِهِ، فَاتُّفِقَ أَنْ حَضَرَ الْفُقَهَاءُ مِنَ الْكَرَّامِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ عِنْدَ غِيَاثِ الدِّينِ بِفَيْرُوزَكُوه لِلْمُنَاظَرَةِ، وَحَضَرَ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيُّ وَالْقَاضِي مَجْدُ الدِّينِ عَبْدُ الْمَجِيدِ بْنُ عُمَرَ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الْقُدْوَةِ، وَهُوَ مِنَ الْكَرَّامِيَّةِ الْهَيْصَمِيَّةِ، وَلَهُ عِنْدُهُمْ مَحَلٌّ كَبِيرٌ لِزُهْدِهِ وَعِلْمِهِ وَبَيْتِهِ، فَتَكَلَّمَ الرَّازِيُّ. فَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ ابْنُ الْقُدْوَةِ، وَطَالَ الْكَلَامُ، فَقَامَ غِيَاثُ الدِّينِ، فَاسْتَطَالَ عَلَيْهِ الْفَخْرُ وَسَبَّهُ وَشَتَمَهُ وَبَالَغَ فِي أَذَاهُ، وَابْنُ الْقُدْوَةِ لَا يَزِيدُ عَلَى أَنْ يَقُولَ لَا يَفْعَلُ مَوْلَانَا إِلَّا وَأَخَذَكَ اللَّهُ، أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ، فَانْفَصَلُوا عَلَى هَذَا.
وَقَامَ ضِيَاءُ الدِّينِ فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ وَشَكَا إِلَى غِيَاثِ الدِّينِ، وَذَمَّ الْفَخْرَ، وَنَسَبَهُ إِلَى الزَّنْدَقَةِ وَمَذْهَبِ الْفَلَاسِفَةِ، فَلَمْ يُصْغِ غِيَاثٌ إِلَيْهِ، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ وَعْظَ ابْنُ عَمِّ الْمَجْدِ بْنِ الْقُدْوَةِ بِالْجَامِعِ، فَلَقَدْ صَعِدَ الْمِنْبَرَ قَالَ: بَعْدَ أَنْ حَمِدَ اللَّهَ وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، {رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلَتْ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} [آل عمران: 53] ، أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّا لَا نَقُولُ إِلَّا مَا صَحَّ عِنْدَنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَمَّا عِلْمُ أَرِسْطَاطَالِيسَ وَكُفْرِيَّاتُ ابْنِ سِينَا، وَفَلْسَفَةُ الْفَارَابِيِّ، فَلَا نَعْلَمُهَا، فَلِأَيِّ حَالٍ يُشْتَمُ بِالْأَمْسِ شَيْخٌ مِنْ شُيُوخِ الْإِسْلَامِ يَذُبُّ عَنْ دِينِ اللَّهِ، وَعَنْ سُنَّةِ نَبِيِّهِ! وَبَكَى وَضَجَّ النَّاسُ، وَبَكَى الْكَرَّامِيَّةُ وَاسْتَغَاثُوا، وَأَعَانَهُمْ مَنْ يُؤْثِرُ بُعْدَ الْفَخْرِ الرَّازِيِّ عَنِ السُّلْطَانِ وَثَارَ النَّاسُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ وَامْتَلَأَ الْبَلَدُ فِتْنَةً، وَكَادُوا يَقْتَتِلُونَ، وَيَجْرِي مَا يَهْلَكُ فِيهِ خَلْقٌ كَثِيرٌ، فَبَلَغَ ذَلِكَ السُّلْطَانَ، فَأَرْسَلَ جَمَاعَةً مِنْ عِنْدِهِ إِلَى النَّاسِ وَسَكَّنَهُمْ، وَوَعَدَهُمْ بِإِخْرَاجِ الْفَخْرِ مِنْ عِنْدِهِمْ وَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ بِالْعَوْدِ إِلَى هَرَاةَ، فَعَادَ إِلَيْهَا.
ذِكْرُ مَسِيرِ خُوَارِزْمَ شَاهْ إِلَى الرَّيِّ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ، فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، سَارَ خُوَارِزْمُ شَاهْ عَلَاءُ الدِّينِ تُكُشُ إِلَى الرَّيِّ وَغَيْرِهَا مِنْ بِلَادِ الْجَبَلِ، لِأَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ نَائِبَهُ بِهَا مَيَاجِقَ قَدْ تَغَيَّرَ عَنْ طَاعَتِهِ، فَسَارَ إِلَيْهِ،