وَأَمَّا الْأَفْضَلُ فَإِنَّهُ تَقَدَّمَ إِلَى دِمَشْقَ مِنَ الْغَدِ، وَهُوَ رَابِعَ عَشْرَ شَعْبَانَ، وَدَخَلَ ذَلِكَ الْيَوْمَ بِعَيْنِهِ طَائِفَةٌ يَسِيرَةٌ مِنْ عَسْكَرِهِ إِلَى عَسْقَلَانَ إِلَى دِمَشْقَ مِنْ بَابِ السَّلَامَةِ، وَسَبَبُ دُخُولِهِمْ أَنَّ قَوْمًا مِنْ أَجْنَادِهِ مِمَّنْ بُيُوتُهُمْ مُجَاوِرَةٌ لِلْبَابِ، اجْتَمَعُوا بِالْأَمِيرِ مَجْدِ الدِّينِ أَخِي الْفَقِيهِ عِيسَى الْهَكَّارِيِّ، وَتَحَدَّثُوا مَعَهُ فِي أَنْ يَقْصِدَ هُوَ وَالْعَسْكَرُ بَابَ السَّلَامَةِ لِيَفْتَحُوهُ لَهُمْ، فَأَرَادَ مَجْدُ الدِّينِ أَنْ يَخْتَصَّ، بِفَتْحِ الْبَابِ وَحْدَهُ، فَلَمْ يُعْلِمِ الْأَفْضَلَ، وَلَا أَخْذَ مَعَهُ أَحَدًا مِنَ الْأُمَرَاءِ، بَلْ سَارَ وَحْدَهُ بِمُفْرَدِهِ، وَمَعَهُ نَحْوُ خَمْسِينَ فَارِسًا مِنْ أَصْحَابِهِ، فَفُتِحَ لَهُ الْبَابُ، فَدَخَلَهُ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ، فَلَمَّا رَآهُمْ عَامَّةُ الْبَلَدِ، وَنَادَوْا بِشِعَارِ الْأَفْضَلِ، وَاسْتَسْلَمَ مَنْ بِهِ مِنَ الْجُنْدِ، وَنَزَلُوا عَنِ الْأَسْوَارِ، وَبَلَغَ الْخَبَرُ إِلَى الْمَلِكِ الْعَادِلِ، فَكَادَ يَسْتَسْلِمُ، وَتَمَاسَكَ.
وَأَمَّا الَّذِينَ دَخَلُوا الْبَلَدَ فَإِنَّهُمْ وَصَلُّوا إِلَى بَابِ الْبَرِيدِ، فَلَقَدْ رَأَى عَسْكَرُ الْعَادِلِ بِدِمَشْقَ قِلَّةَ عَدَدِهِمْ، وَانْقِطَاعَ مَدَدِهِمْ، وَثَبُوا بِهِمْ وَأَخْرَجُوهُمْ مِنْهُ، وَكَانَ الْأَفْضَلُ قَدْ نَصَبَ خَيْمَهً بِالْمَيْدَانِ الْأَخْضَرِ، وَقَارَبَ عَسْكَرُهُ الْبَابَ الْحَدِيدَ - وَهُوَ مِنْ أَبْوَابِ الْقَلْعَةِ - فَقَدَّرَ اللَّهُ - تَعَالَى - أَنْ أُشِيرَ عَلَى الْأَفْضَلِ بِالِانْتِقَالِ إِلَى مَيْدَانِ الْحَصَى، فَفَعَلَ ذَلِكَ، فَقَوِيَتْ نُفُوسُ مَنْ فِيهِ، وَضَعُفَتْ نُفُوسُ الْعَسْكَرِ الْمِصْرِيِّ، ثُمَّ إِنَّ الْأُمَرَاءَ الْأَكْرَادَ مِنْهُمْ تَحَالَفُوا، فَصَارُوا يَدًا وَاحِدَةً يَغْضَبُونَ لِغَضَبِ أَحَدِهِمْ، وَيَرْضَوْنَ لِرِضَى أَحَدِهِمْ، فَظَنَّ الْأَفْضَلُ وَبَاقِي الْأَسَدِيَّةُ أَنَّهُمْ فَعَلُوا بِقَاعِدَةٍ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الدِّمَشْقِيِّينَ، فَرَحَلُوا مِنْ مَوْضِعِهِمْ، وَتَأَخَّرُوا فِي الْعِشْرِينَ مِنْ شَعْبَانَ، وَوَصَلَ أَسَدُ الدِّينِ شِيرْكُوه صَاحِبُ حِمْصَ إِلَى الْأَفْضَلِ فِي الْخَامِسِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَعْبَانَ وَوَصَلَ بَعْدَهُ الْمَلِكُ الظَّاهِرُ صَاحِبُ حَلَبَ، ثَانِيَ عَشْرَ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَأَرَادُوا الزَّحْفَ إِلَى دِمَشْقَ، فَمَنَعَهُمُ الْمَلِكُ الظَّاهِرُ مَكْرًا بِأَخِيهِ وَحَسَدًا لَهُ، وَلَمْ يَشْعُرْ أَخُوهُ الْأَفْضَلُ بِذَلِكَ.
وَأَمَّا الْمَلِكُ الْعَادِلُ فَإِنَّهُ لَمَّا رَأَى كَثْرَةَ الْعَسَاكِرِ وَتَتَابُعَ الْأَمْدَادَ إِلَى الْأَفْضَلِ عَظُمَ عَلَيْهِ، فَأَرْسَلَ إِلَى الْمَمَالِيكِ النَّاصِرِيَّةِ بِالْبَيْتِ الْمُقَدَّسِ يَسْتَدْعِيهِمْ إِلَيْهِ، فَسَارُوا سَلْخَ شَعْبَانَ، فَوَصَلَ خَبَرُهُمْ إِلَى الْأَفْضَلِ، فَسَيَّرَ أَسَدَ الدِّينِ - صَاحِبَ حِمْصَ - وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأُمَرَاءِ إِلَى طَرِيقِهِمْ لِيَمْنَعُوهُمْ، فَسَلَكُوا غَيْرَ طَرِيقِهِمْ، فَجَاءَ أُولَئِكَ وَدَخَلُوا دِمَشْقَ خَامِسَ رَمَضَانَ، فَقَوِيَ الْعَادِلُ بِهِمْ قُوَّةً عَظِيمَةً، وَأَيِسَ الْأَفْضَلُ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ دِمَشْقَ،