594 -
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ
ذِكْرُ وَفَاةِ عِمَادِ الدِّينِ وَمُلْكِ وَلَدِهِ قُطْبِ الدِّينِ مُحَمَّدٍ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، فِي الْمُحَرَّمِ، تُوُفِّيَ عِمَادُ الدِّينِ زِنْكِي بْنُ مَوْدُودِ بْنِ زِنْكِي بْنِ آقَسُنْقُرْ - صَاحِبُ سِنْجَارَ وَنَصِيبِينَ وَالْخَابُورِ وَالرِّقَّةِ - وَتَقَدَّمَ ذِكْرُهُ كَيْفَ مَلَكَهَا سَنَةَ تِسْعٍ وَسَبْعِينَ [وَخَمْسِمِائَةٍ] ، وَمَلَكَ بَعْدَهُ ابْنُهُ قُطْبُ الدِّينِ مُحَمَّدٌ، وَتَوَلَّى تَدْبِيرَ دَوْلَتِهِ مُجَاهِدُ الدِّينِ يَرَنْقَشْ مَمْلُوكُ أَبِيهِ، وَكَانَ دَيِّنًا خَيِّرًا عَادِلًا، حَسَنَ السِّيرَةِ فِي رَعِيَّتِهِ، عَفِيفًا عَنْ أَمْوَالِهِمْ وَأَمْلَاكِهِمْ، مُتَوَاضِعًا يُحِبُّ أَهْلَ الْعِلْمِ وَالدِّينِ وَيَحْتَرِمُهُمْ وَيَجْلِسُ مَعَهُمْ وَيَرْجِعُ إِلَى أَقْوَالِهِمْ، وَكَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ شَدِيدَ التَّعَصُّبِ عَلَى مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ، كَثِيرَ الذَّمِّ لِلشَّافِعِيَّةِ، فَمِنْ تَعَصُّبِهِ أَنَّهُ بَنَى مَدْرَسَةً لِلْحَنَفِيَّةِ بِسِنْجَارَ، وَشَرَطَ أَنْ يَكُونَ النَّظَرُ لِلْحَنَفِيَّةِ مِنْ أَوْلَادِهِ دُونَ الشَّافِعِيَّةِ، وَشَرَطَ أَنْ يَكُونَ الْبَوَّابُ وَالْفَرَّاشُ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَشَرَطَ لِلْفُقَهَاءِ طَبِيخًا طُبِخَ لَهُمْ كُلَّ يَوْمٍ، وَهَذَا نَظَرٌ حَسَنٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ.
ذِكْرُ مُلْكِ نُورِ الدِّينِ نَصِيبِينَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ، فِي جُمَادَى الْأُولَى، سَارَ نُورُ الدِّينِ أَرْسِلَانُ شَاهْ بْنُ مَسْعُودِ بْنِ مَوْدُودٍ صَاحِبُ الْمَوْصِلِ إِلَى مَدِينَةِ نَصِيبِينَ، فَمَلَكَهَا وَأَخَذَهَا مِنِ ابْنِ عَمِّهِ قُطْبِ الدِّينِ مُحَمَّدٍ.
وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ عَمَّهُ عِمَادَ الدِّينِ كَانَ لَهُ نَصِيبِينُ، فَتَطَاوَلَ نُوَّابُهُ بِهَا، وَاسْتَوْلَوْا عَلَى عِدَّةِ قُرًى مِنْ أَعْمَالٍ بَيْنَ النَّهْرَيْنِ مِنْ وِلَايَةِ الْمَوْصِلِ، وَهِيَ تُجَاوِرُ نَصِيبِينَ، فَبَلَغَ الْخَبَرُ مُجَاهِدَ الدِّينِ قَايْمَازَ الْقَائِمَ بِتَدْبِيرِ مَمْلَكَةِ نُورِ الدِّينِ بِالْمَوْصِلِ وَأَعْمَالِهَا وَالْمَرْجُوعَ إِلَيْهِ فِيهَا، فَلَمْ يُعْلِمْ مَخْدُومَهُ نُورَ الدِّينِ بِذَلِكَ، لِمَا عَلِمَ مِنْ قِلَّةِ صَبْرِهِ عَلَى احْتِمَالِ مِثْلِ