عَنْهَا مِنَ الرُّعْبِ وَالْخَوْفِ، فَمَلَكَهَا وَجَعَلَ فِيهَا وَالِيًا وَجُنْدًا يَحْفَظُونَهَا وَعَادَ إِلَى مَدِينَةِ إِشْبِيلِيَّةَ.
وَأَمَّا أَلْفُنْشُ فَإِنَّهُ لَمَّا انْهَزَمَ حَلَقَ رَأَسَهُ، وَنَكَّسَ صَلِيبَهُ، وَرَكِبَ حِمَارًا، وَأَقْسَمَ أَنْ لَا يَرْكَبَ فَرَسًا وَلَا بَغْلًا حَتَّى تُنْصَرَ النَّصْرَانِيَّةُ، فَجَمَعَ جُمُوعًا عَظِيمَةً، وَبَلَغَ الْخَبَرُ بِذَلِكَ إِلَى يَعْقُوبَ، فَأَرْسَلَ إِلَى بِلَادِ الْمَغْرِبِ مُرَّاكِشَ وَغَيْرِهَا يَسْتَنْفِرُ النَّاسَ مِنْ غَيْرِ إِكْرَاهٍ، فَأَتَاهُ مِنَ الْمُتَطَوِّعَةِ وَالْمُرْتَزِقِينَ جَمْعٌ عَظِيمٌ، فَالْتَقَوْا فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، فَانْهَزَمَ الْفِرِنْجُ هَزِيمَةً قَبِيحَةً، وَغَنِمَ الْمُسْلِمُونَ مَا مَعَهُمْ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالسِّلَاحِ وَالدَّوَابِّ وَغَيْرِهَا، وَتَوَجَّهَ إِلَى مَدِينَةِ طُلَيْطِلَةَ فَحَصَرَهَا، وَقَاتَلَهَا قِتَالًا شَدِيدًا، وَقَطَعَ أَشْجَارَهَا، وَشَنَّ الْغَارَةَ عَلَى مَا حَوْلَهَا مِنَ الْبِلَادِ، وَفَتَحَ فِيهَا عِدَّةَ حُصُونٍ، فَقَتَلَ رِجَالَهَا، وَسَبَى حَرِيمَهَا، وَخَرَّبَ دُورَهَا، وَهَدَمَ أَسْوَارَهَا، فَضَعُفَتِ النَّصْرَانِيَّةُ حِينَئِذٍ، وَعَظُمُ أَمْرُ الْإِسْلَامِ بِالْأَنْدَلُسِ، وَعَادَ يَعْقُوبُ إِلَى إِشْبِيلِيَّةَ فَأَقَامَ بِهَا.
فَلَمَّا دَخَلَتْ سَنَةُ ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ [وَخَمْسِمِائَةٍ] ، سَارَ عَنْهَا إِلَى بِلَادِ الْفِرِنْجِ [وَفَعَلَ فِيهَا مِثْلَ فِعْلِهِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي، فَضَاقَتِ الْأَرْضُ عَلَى الْفِرِنْجِ] ، وَذُلُّوا وَاجْتَمَعَ مُلُوكُهُمْ، وَأَرْسَلُوا يَطْلُبُونَ الصُّلْحَ، فَأَجَابَهُمْ إِلَيْهِ بَعْدَ أَنْ كَانَ عَازِمًا عَلَى الِامْتِنَاعِ، مُرِيدًا لِمُلَازَمَةِ الْجِهَادِ إِلَى أَنْ يَفْرُغَ مِنْهُمْ، فَأَتَاهُ خَبَرُ عَلِيِّ بْنِ إِسْحَاقَ الْمُلَثَّمِ الْمَيُورْقِيِّ أَنَّهُ فَعَلَ بِإِفْرِيقِيَّةَ مَا نَذْكُرُهُ مِنَ الْأَفَاعِيلِ الشَّنِيعَةِ، فَتَرَكَ عَزْمَهُ، وَصَالَحَهُمْ مُدَّةَ خَمْسِ سِنِينَ، وَعَادَ إِلَى مُرَّاكِشَ آخِرَ سَنَةِ ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ.