590 -
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ تِسْعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ
ذِكْرُ الْحَرْبِ بَيْنَ شِهَابِ الدِّينِ وَمَلِكِ بَنَارِسَ الْهِنْدِيِّ
كَانَ شِهَابُ الدِّينِ الْغُورِيُّ، مَلِكُ غَزْنَةَ، قَدْ جَهَّزَ مَمْلُوكَهُ قُطْبَ الدِّينِ أَيْبَكْ، وَسَيَّرَهُ إِلَى بَلَدِ الْهِنْدِ لِلْغُزَاةِ، فَدَخَلَهَا فَقَتَلَ فِيهَا وَسَبَى وَنَهَبَ وَعَادَ.
فَلَمَّا سَمِعَ بِهِ مَلِكُ بَنَارِسَ، وَهُوَ أَكْبَرُ مَلِكٍ فِي الْهِنْدِ، وَوِلَايَتُهُ مِنْ حَدِّ الصِّينِ إِلَى بِلَادِ مَلَاوَا طُولًا، وَمِنَ الْبَحْرِ إِلَى مَسِيرَةِ عَشَرَةِ أَيَّامٍ مِنْ لَهَاوُورَ عَرْضًا، وَهُوَ مَلِكٌ عَظِيمٌ فَعِنْدَهَا جَمَعَ جُيُوشَهُ، وَحَشَرَهَا، وَسَارَ يَطْلُبُ بِلَادَ الْإِسْلَامِ.
وَدَخَلَتْ سَنَةُ تِسْعِينَ [وَخَمْسِمِائَةٍ] ، فَسَارَ شِهَابُ الدِّينِ الْغُورِيُّ، مِنْ غَزْنَةَ بِعَسَاكِرِهِ نَحْوَهُ، فَالْتَقَى الْعَسْكَرَانِ عَلَى مَاجُونَ، وَهُوَ نَهَرٌ كَبِيرٌ يُقَارِبُ دِجْلَةَ بِالْمَوْصِلِ، وَكَانَ مَعَ الْهِنْدِيِّ سَبْعُمِائَةِ فِيلٍ، وَمِنَ الْعَسْكَرِ عَلَى مَا قِيلَ أَلْفُ أَلْفِ رَجُلٍ، وَمِنْ جُمْلَةِ عَسْكَرِهِ عِدَّةُ أُمَرَاءَ مُسْلِمِينَ، وَكَانُوا فِي تِلْكَ الْبِلَادِ أَبًّا عَنْ جَدٍّ، مِنْ أَيَّامِ السُّلْطَانِ مَحْمُودِ بْنِ سُبُكْتِكِينَ، يُلَازِمُونَ شَرِيعَةَ الْإِسْلَامِ، وَيُوَاظِبُونَ عَلَى الصَّلَوَاتِ، وَأَفْعَالِ الْخَيْرِ. فَلَمَّا الْتَقَى الْمُسْلِمُونَ وَالْهُنُودُ اقْتَتَلُوا، فَصَبَرَ الْكُفَّارُ لِكَثْرَتِهِمْ، وَصَبَرَ الْمُسْلِمُونَ لِشَجَاعَتِهِمْ، فَانْهَزَمَ الْكُفَّارُ، وَنُصِرَ الْمُسْلِمُونَ، وَكَثُرَ الْقَتْلُ فِي الْهُنُودِ، حَتَّى امْتَلَأَتِ الْأَرْضُ وَجَافَتْ.
وَكَانُوا لَا يَأْخُذُونَ إِلَّا الصِّبْيَانَ وَالْجَوَارِيَ وَأَمَّا الرِّجَالُ فَيُقْتَلُونَ، وَأُخِذَ مِنْهُمْ تِسْعُونَ فِيلًا، وَبَاقِي الْفِيَلَةِ قُتِلَ بَعْضُهَا، وَانْهَزَمَ بَعْضُهَا، وَقُتِلَ مَلِكُ الْهِنْدِ، وَلَمْ يَعْرِفْهُ أَحَدٌ إِلَّا أَنَّهُ كَانَتْ أَسْنَانُهُ قَدْ ضَعُفَتْ أُصُولُهَا، فَأَمْسَكُوهَا بِشَرِيطِ الذَّهَبِ فَبِذَلِكَ عَرَفُوهُ.