لَهُ شِهَابُ الدِّينِ: لَوِ اسْتَأْسَرَتْنِي مَا كُنْتَ تَفْعَلُ بِي؟ فَقَالَ الْكَافِرُ: كُنْتُ اسْتَعْمَلْتُ لَكَ قَيْدًا مِنْ ذَهَبٌ أُقَيِّدُكَ بِهِ. فَقَالَ شِهَابُ الدِّينِ: بَلْ نَحْنُ مَا نَجْعَلُ لَكَ مِنَ الْقَدْرِ مَا نُقَيِّدُكَ.
وَغَنِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنَ الْهُنُودِ أَمْوَالًا كَثِيرَةً وَأَمْتِعَةً عَظِيمَةً، وَفِي جُمْلَةِ ذَلِكَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ فِيلًا، مِنْ جُمْلَتِهَا الْفِيلُ الَّذِي جَرَحَ شِهَابَ الدِّينِ فِي تِلْكَ الْوَقْعَةِ.
وَقَالَ مَلِكُ الْهِنْدِ لِشِهَابِ الدِّينِ: إِنْ كُنْتَ طَالِبَ بِلَادٍ، فَمَا بَقِيَ فِيهَا مَنْ يَحْفَظُهَا، وَإِنْ كُنْتَ طَالِبَ مَالٍ، فَعِنْدِي أَمْوَالٌ تُحَمِّلُ أَجْمَالَكَ كُلَّهَا.
فَسَارَ شِهَابُ الدِّينِ وَهُوَ مَعَهُ إِلَى الْحِصْنِ الَّذِي لَهُ يُعَوِّلُ عَلَيْهِ، وَهُوَ أَجْمِيرُ، فَأَخَذَهُ، وَأَخَذَ جَمِيعَ الْبِلَادِ الَّتِي تُقَارِبُهُ، وَأَقْطَعَ جَمِيعَ الْبِلَادِ لِمَمْلُوكِهِ قُطْبِ الدِّينِ أَيْبَكْ، وَعَادَ إِلَى غَزْنَةَ، وَقَتَلَ مَلِكَ الْهِنْدِ.
ذِكْرُ عِدَّةِ حَوَادِثَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ قُبِضَ عَلَى أَمِيرِ الْحَاجِّ طَاشَتِكِينَ بِبَغْدَادَ، وَكَانَ نِعْمَ الْأَمِيرُ، عَادِلًا فِي الْحَاجِّ، رَفِيقًا بِهِمْ، مُحِبًّا لَهُمْ، لَهُ أَوْرَادٌ كَثِيرَةٌ مِنْ صَلَوَاتٍ وَصِيَامٍ، وَكَانَ كَثِيرَ الصَّدَقَةِ، لَا جَرَمَ: وُقِفَتْ أَعْمَالُهُ، بَيْنَ يَدَيْهِ فَخُلِّصَ مِنَ السِّجْنِ، عَلَى مَا نَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَفِيهَا خَرَجَ السُّلْطَانُ طُغْرُلْ بِكْ أَرْسَلَانُ بْنُ طُغْرُلْ مِنَ الْحَبْسِ بَعْدَ مَوْتِ قُزَل أَرْسَلَانَ بْنِ إِيلْدِكْزَ وَالْتَقَى هُوَ وَقُتْلُغْ إِينَانْج بْنِ الْبَهْلَوَانِ بْنِ إِيلْدِكْزَ فَانْهَزَمَ إِينَانْجُ إِلَى الرَّيِّ، وَكَانَ مَا نَذْكُرُهُ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، سَنَةَ تِسْعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ.
[الْوَفَيَاتُ] وَفِيهَا فِي رَجَبٍ تُوُفِّيَ الْأَمِيرُ السَّيِّدُ عَلِيُّ بْنُ الْمُرْتَضَى الْعَلَوِيُّ الْحَنَفِيُّ مُدَرِّسُ جَامِعِ السُّلْطَانِ بِبَغْدَادَ.
وَفِي شَعْبَانَ مِنْهَا تُوُفِّيَ أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ هِبَةَ اللَّهِ بْنِ الْبُوقِيِّ، الْفَقِيهُ الشَّافِعِيُّ الْوَاسِطِيُّ، وَكَانَ عَالِمًا بِالْمَذْهَبِ انْتَفَعَ بِهِ النَّاسُ.