وَلِيَسْتَرِيحُوا، وَلِيَحْضُرَ الْبَدَلُ عِوَضُهُمْ - وَسَارَ بَعْضُهُمْ مَعَ وَلَدِهِ الْأَفْضَلِ، وَأَخِيهِ الْعَادِلِ إِلَى الْبِلَادِ الْجَزَرِيَّةِ لِمَا نَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَبَقِيَ مِنْ حَلْقَتِهِ الْخَاصِّ بَعْضُ الْعَسَاكِرِ الْمِصْرِيَّةِ، فَظَنُّوا أَنَّهُمُ يَنَالُونَ غَرَضًا، فَلَمَّا سَمِعَ صَلَاحُ الدِّينِ بِقُرْبِهِمْ مِنْهُ فَرَّقَ أَبْرَاجَ الْبَلَدِ عَلَى الْأُمَرَاءِ، وَسَارَ الْفِرِنْجُ مِنْ بَيْتِ نَوْبَةَ إِلَى قَلُونِيَةَ، سَلْخَ الشَّهْرِ، وَهِيَ [عَلَى] فَرْسَخَيْنِ مِنَ الْقُدْسِ، فَصَبَّ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِمُ الْبَلَاءَ، وَتَابَعُوا إِرْسَالَ السَّرَايَا فَبُلِيَ الْفِرِنْجُ مِنْهُمْ بِمَا لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهِ، وَعَلِمُوا أَنَّهُمْ إِذَا نَازَلُوا الْقُدْسَ كَانَ الشَّرُّ إِلَيْهِمْ أَسْرَعَ، وَالتَّسَلُّطُ عَلَيْهِمْ أَمْكَنَ، فَرَجَعُوا الْقَهْقَرَى وَرَكِبَ الْمُسْلِمُونَ أَكْتَافَهُمْ بِالرِّمَاحِ وَالسِّهَامِ.

وَلَمَّا أَبْعَدَ الْفِرِنْجُ عَنْ يَافَا سَيَّرَ صَلَاحُ الدِّينِ سَرِيَّةً مِنْ عَسْكَرِهِ إِلَيْهَا، فَقَارَبُوهَا، وَكَمَنُوا عِنْدَهَا، فَاجْتَازَ بِهِمْ جَمَاعَةٌ مِنْ فُرْسَانِ الْفِرِنْجِ مَعَ قَافِلَةٍ، فَخَرَجُوا عَلَيْهِمْ، فَقَتَلُوا مِنْهُمْ، وَأَسَرُوا وَغَنِمُوا، وَكَانَ ذَلِكَ آخِرَ جُمَادَى الْأُولَى.

ذِكْرُ اسْتِيلَاءِ الْفِرِنْجِ عَلَى عَسْكَرِ الْمُسْلِمِينَ وَقَفَل

فِي تَاسِعِ جُمَادَى الْآخِرَةِ بَلَغَ الْفِرِنْجَ الْخَبَرُ بِوُصُولِ عَسْكَرٍ مِنْ مِصْرَ، وَمَعَهُمْ قَفَلٌ كَبِيرٌ، وَمُقَدَّمُ الْعَسْكَرِ فَلَكُ الدِّينِ سُلَيْمَانُ، أَخُو الْعَادِلِ لِأُمِّهِ، وَمَعَهُ عِدَّةٌ مِنَ الْأُمَرَاءِ، فَأَسْرَى الْفِرِنْجُ إِلَيْهِمْ فَوَاقَعَهُمْ بِنَوَاحِي الْخَلِيلِ، فَانْهَزَمَ الْجُنْدُ، وَلَمْ يُقْتَلْ مِنْهُمْ رَجُلٌ مِنَ الْمَشْهُورِينَ، إِنَّمَا قُتِلَ مِنَ الْغِلْمَانِ وَالْأَصْحَابِ.

وَغَنِمَ الْفِرِنْجُ خِيَامَهُمْ وَآلَاتِهِمْ، وَأَمَّا الْقَفَلُ فَإِنَّهُ أُخِذَ بَعْضُهُ، وَصَعِدَ مَنْ نَجَا جَبَلَ الْخَلِيلِ، فَلَمْ يُقْدِمِ الْفِرِنْجُ عَلَى اتِّبَاعِهِمْ، وَلَوِ اتَّبَعُوهُمْ نِصْفَ فَرْسَخٍ لَأَتَوْا عَلَيْهِمْ، وَتَمَزَّقَ مَنْ نَجَا مِنَ الْقَفَلِ، وَتَقَطَّعُوا، وَلَقُوا شِدَّةً إِلَى أَنِ اجْتَمَعُوا.

حَكَى لِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا، وَكُنَّا قَدْ سَيَّرْنَا مَعَهُ شَيْئًا لِلتِّجَارَةِ إِلَى مِصْرَ، وَكَانَ قَدْ خَرَجَ فِي هَذَا الْقَفَلِ، قَالَ: لَمَّا وَقَعَ الْفِرِنْجُ عَلَيْنَا كُنَّا قَدْ رَفَعْنَا أَحْمَالَنَا لِلسَّيْرِ، فَحَمَلُوا عَلَيْنَا وَأَوْقَعُوا بِنَا، فَضَرَبْتُ أَحْمَالِي وَصَعِدْتُ الْجَبَلَ وَمَعِي عِدَّةُ أَحْمَالٍ لِغَيْرِي.

فَلَحِقَنَا قَوْمٌ مِنَ الْفِرِنْجِ، فَأَخَذُوا الْأَحْمَالَ الَّتِي فِي صُحْبَتِي، وَكُنْتُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ بِمِقْدَارِ رَمْيَةِ سَهْمٍ، فَلَمْ يَصِلُوا إِلَيَّ، فَنَجَوْتُ بِمَا مَعِي، وَسِرْتُ لَا أَدْرِي أَيْنَ أَقْصِدُ، وَإِذْ قَدْ لَاحَ لِي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015