فِي شُجْعَانِ أَصْحَابِهِ، سِوَى مَنْ جَعَلَهُ عَلَى الشَّقِيفِ، فَوَصَلَ إِلَيْهِمْ وَقَدْ فَاتَ الْأَمْرُ.

وَذَلِكَ أَنَّ الْفِرِنْجَ قَدْ فَارَقُوا صُورَ وَسَارُوا عَنْهَا لِمَقْصِدِهِمْ، فَلَقِيَهُمُ الْيَزَكُ عَلَى مَضِيقٍ هُنَاكَ، وَقَاتَلُوهُمْ وَمَنَعُوهُمْ، وَجَرَى لَهُمْ مَعَهُمْ حَرْبٌ شَدِيدَةٌ يَشِيبُ لَهَا الْوَلِيدُ، وَأَسَرُوا مِنَ الْفِرِنْجِ جَمَاعَةً، وَقَتَلُوا جَمَاعَةً مِنْهُمْ سَبْعَةُ رِجَالٍ مِنْ فُرْسَانِهِمُ الْمَشْهُورِينَ وَجَرَحُوا جَمَاعَةً.

وَقُتِلَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَيْضًا جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ مَمْلُوكٌ لِصَلَاحِ الدِّينِ كَانَ مِنْ أَشْجَعِ النَّاسِ، فَحَمَلَ وَحْدَهُ عَلَى صَفِّ الْفِرِنْجِ، فَاخْتَلَطَ بِهِمْ، وَضَرَبَهُمْ بِسَيْفِهِ يَمِينًا وَشِمَالًا، فَتَكَاثَرُوا عَلَيْهِ فَقَتَلُوهُ، رَحِمَهُ اللَّهُ، ثُمَّ إِنِ الْفِرِنْجَ عَجَزُوا عَنِ الْوُصُولِ إِلَى صَيْدَا فَعَادُوا إِلَى مَكَانِهِمْ.

ذِكْرُ وَقْعَةٍ ثَانِيَةٍ لِلْغُزَاةِ الْمُتَطَوِّعَةِ

لَمَّا وَصَلَ صَلَاحُ الدِّينِ إِلَى الْيَزَكِ وَقَدْ فَاتَتْهُ تِلْكَ الْوَقْعَةُ أَقَامَ عِنْدَهُمْ فِي خَيْمَةٍ صَغِيرَةٍ، يَنْتَظِرُ عَوْدَةَ الْفِرِنْجِ لِيَنْتَقِمَ مِنْهُمْ، وَيَأْخُذَ بِثَأْرِ مَنْ قَتَلُوهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ.

فَرَكِبَ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ فِي عِدَّةٍ يَسِيرَةٍ عَلَى أَنْ يَنْظُرَ إِلَى مُخَيَّمِ الْفِرِنْجِ مِنَ الْجَبَلِ لِيَعْمَلَ بِمُقْتَضَى مَا يُشَاهِدُهُ، وَظَنَّ مَنْ هُنَاكَ مِنْ غُزَاةِ الْعَجَمِ وَالْعَرَبِ الْمُتَطَوِّعَةِ أَنَّهُ عَلَى قَصْدِ الْمَصَافِّ وَالْحَرْبِ، فَسَارُوا مُجِدِّينَ وَأَوْغَلُوا فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ مُبْعِدِينَ، وَفَارَقُوا الْحَزْمَ، وَخَلَّفُوا السُّلْطَانَ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ، وَقَارَبُوا الْفِرِنْجَ.

فَأَرْسَلَ صَلَاحُ الدِّينِ عِدَّةً مِنَ الْأُمَرَاءِ يَرُدُّونَهُمْ وَيَحْمُونَهُمْ إِلَى أَنْ يَخْرُجُوا، فَلَمْ يَسْمَعُوا وَلَمْ يَقْبَلُوا.

وَكَانَ الْفِرِنْجُ قَدِ اعْتَقَدُوا أَنَّ وَرَاءَهُمْ كَمِينًا، فَلَمْ يُقَدِمُوا عَلَيْهِمْ، فَأَرْسَلُوا مَنْ يَنْظُرُ فِي حَقِيقَةِ الْأَمْرِ، فَأَتَاهُمُ الْخَبَرُ أَنَّهُمْ مُنْقَطِعُونَ عَنِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَيْسَ وَرَاءَهُمْ مَنْ يُخَافُ، فَحَمَلَتِ الْفِرِنْجُ عَلَيْهِمْ حَمْلَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ فَقَاتَلُوهُمْ فَلَمْ يَلْبَثُوا أَنْ أَنَامُوهُمْ، وَقُتِلَ مَعَهُمْ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمَعْرُوفَيْنِ وَشَقَّ عَلَى صَلَاحِ الدِّينِ وَالْمُسْلِمِينَ مَا جَرَى عَلَيْهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ بِتَفْرِيطِهِمْ فِي حَقِّ أَنْفُسِهِمْ، رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَرَضِيَ عَنْهُمْ.

وَكَانَتْ هَذِهِ الْوَقْعَةُ تَاسِعَ جُمَادَى الْأُولَى فَلَمَّا رَأَى صَلَاحُ الدِّينِ ذَلِكَ انْحَدَرَ مِنَ الْجَبَلِ إِلَيْهِمْ فِي عَسْكَرِهِ، فَحَمَلُوا عَلَى الْفِرِنْجِ فَأَلْقَوْهُمْ إِلَى الْجِسْرِ وَقَدْ أَخَذُوا طَرِيقَهُمْ، فَأَلْقَوْا أَنْفُسَهُمْ فِي الْمَاءِ، فَغَرِقَ مِنْهُمْ نَحْوُ مِائَةِ دَارِعٍ سِوَى مَنْ قُتِلَ.

وَعَزَمَ السُّلْطَانُ عَلَى مُصَابَرَتِهِمْ وَمُحَاصَرَتِهِمْ، فَتَسَامَعَ النَّاسُ فَقَصَدُوهُ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ وَاجْتَمَعَ مَعَهُ خَلْقٌ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015