وَكُنْتُ حِينَئِذٍ بِالشَّامِ فِي عَسْكَرِ صَلَاحِ الدِّينِ يُرِيدُ الْغَزَاةَ، فَأَتَاهُ الْخَبَرُ مَعَ النَّجَّابِينَ بِمَسِيرِ الْعَسْكَرِ الْبَغْدَادِيِّ، فَقَالَ: كَأَنَّكُمْ وَقَدْ وَصَلَ الْخَبَرُ بِانْهِزَامِهِمْ.
فَقَالَ لَهُ بَعْضُ الْحَاضِرِينَ: وَكَيْفَ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: لَا شَكَّ أَنَّ أَصْحَابِي وَأَهْلِي أَعْرَفُ بِالْحَرْبِ مِنَ الْوَزِيرِ. وَأَطْوَعُ فِي الْعَسْكَرِ مِنْهُ وَمَعَ هَذَا، فَمَا أُرْسِلُ أَحَدًا مِنْهُمْ فِي سِرِيَّةٍ لِلْحَرْبِ إِلَّا وَأَخَافُ عَلَيْهِ وَهَذَا الْوَزِيرُ غَيْرُ عَارِفٍ بِالْحَرْبِ، وَقَرِيبُ الْعَهْدِ بِالْوِلَايَةِ وَلَا يَرَاهُ الْأُمَرَاءُ أَهْلًا أَنْ يُطَاعَ، وَفِي مُقَابَلَةِ سُلْطَانٍ شُجَاعٍ قَدْ بَاشَرَ الْحَرْبَ بِنَفْسِهِ، وَمَنْ مَعَهُ يُطِيعُهُ.
وَكَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، وَوَصَلَ الْخَبَرُ إِلَيْهِ بِانْهِزَامِهِمْ فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: كُنْتُ أَخْبَرْتُكُمْ بِكَذَا وَكَذَا، وَقَدْ وَصَلَ الْخَبَرُ بِذَلِكَ.
وَلَمَّا عَادَتْ عَسَاكِرُ بَغْدَادَ مُنْهَزِمَةً قَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ وَهُوَ أَحْمَدُ بْنُ الْوَاثِقِ بِاللَّهِ:
اتْرُكُونَا مِنْ جَائِحَاتِ الْجَرِيمَهْ ... طَلْعَةً طَلْعَةً تَكُونُ وَخِيَمَهْ
بَرَكَاتُ الْوَزِيرِ قَدْ شَمَلَتْنَا ... فَلِهَذَا أُمُورُنَا مُسْتَقِيمَهْ
خَرَجَتْ جُنْدُنَا تُرِيدُ خُرَاسَا ... نَ جَمِيعًا بِأُبَّهَاتٍ عَظِيمَهْ
بِخُيُولٍ وَعِدَّةٍ وَعَدِيدٍ ... وَسُيُوفٍ مُجَرِّبَاتٍ قَدِيمَهْ
وَوَزِيرٍ وَطَاقِ طُنْبٍ وَنَقْشٍ ... وَخُيُولٍ مُعَدَّةٍ لِلْهَزِيمَهْ
هُمْ رَأَوْا غُرَّةَ الْعَدُوِّ وَقَدْ أَقْ - ... بَلَ وَلَّوْا وَانْحَلَّ عَقْدُ الْعَزِيمَهْ
وَأَتَوْنَا وَلَا بِخُفَّيْ حُنَيْنٍ ... بِوُجُوهٍ سُودٍ قِبَاحٍ دَمِيمَهْ
لَوْ رَأَى صَاحِبُ الزَّمَانِ وَلَوْ عَا ... يَنَ أَفْعَالَهُمْ وَقُبْحَ الْجَرِيمَهْ
قَابَلَ الْكُلَّ بِالنَّكَالِ وَنَاهِي ... كَ بِهَا سُبَّةً عَلَيْهِمْ مُقِيمَهْ.
كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَتَقَدَّمَ هَذِهِ الْحَادِثَةُ، وَإِنَّمَا أَخَّرْتُهَا لِتَتَبُّعِ الْحَوَادِثِ الْمُتَقَدِّمَةِ بَعْضِهَا بَعْضًا، لِتَعَلُّقِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا بِالْأُخْرَى.